للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم.

{فَقُلْ} لهم يا محمَّد: {تَعَالَوْا}؛ أي: هلموا وأقبلوا إليّ. قرأ الجمهور: {تَعَالَوْا} بفتح اللام وهم الأصل والقياس. وقرأ الحسن وأبو واقد وأبو السِّمال شذوذًا بضم اللام على أن أصله: تعاليوا، فنقلت الضمة إلى اللام، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وهذا تعليل شاذ. {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا}؛ أي: نخرج أبناءنا {وَأَبْنَاءَكُمْ}؛ أي: أخرجوا أنتم أبناءكم {وَنِسَاءَنَا}؛ أي: نخرج نساءنا {وَنِسَاءَكُمْ}؛ أي: وأخرجوا أنتم نساءكم {وَأنفُسَنَا}؛ أي: نخرج بأنفسنا {وَأَنْفُسَكُمْ}؛ أي: اخرجوا أنتم بأنفسكم. {ثُمَّ نَبْتَهِلْ}؛ أي: نتضرع ونجتهد ونبالغ في الدعاء {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ} وغضبه فيما بيننا {عَلَى الْكَاذِبِينَ} منا ومنكم في شأن عيسى؛ أي: فقل لهم أقبلوا، وليدعُ كل منا ومنكم أبناءه ونساءه للمباهلة، وليقل: لعنة الله على الكاذبين منا ومنكم، أو اللهم العنْ الكاذب منا في شأن عيسى.

وفي تقديم هؤلاء على النفس في المباهلة مع أن الرجل يخاطر بنفسه لهم إيذانٌ بكمال أمته - صلى الله عليه وسلم -، وتمام ثقته بأمره، وقوة يقينه بأنه لن يصيبهم في ذلك مكروه، وهذه الآية تسمى: آية المباهلة.

وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: اختار للمباهلة عليًّا، وفاطمة، وولديهما رضي الله عنهم، وخرج بهم، وقال: إن أنا دعوت .. فأمنوا أنتم.

وأخرج ابن عساكر عن جعفر عن أبيه: أنه لما نزلت هذه الآية .. جاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، ولا شك أن الذي يفهم من الآية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يدعو المحاجين والمجادلين في شأن عيسى من أهل الكتاب إلى الاجتماع رجالًا ونساءً وأطفالًا، ويجمع هو المؤمنين رجالًا ونساءً وأطفالًا، ويبتهلوا إلى الله تعالى بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى.

وهذا الطلب يدل على قوة يقين صاحبه وثقته بما يقول، كما يدل امتناع من دُعوا إلى ذلك من أهل الكتاب من نصارى نجران وسواهم على امترائهم في حجاجهم، وكونهم على غير بيّنة فيما يعتقدون.