للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الآية عبرة لمن ادَّكر؛ لأنه طلب فيها مشاركة النساء للرجال في الاجتماع للمفاضلة الدينية، وفي هذا دليل على أن المرأة كالرجل، حتى في الأمور العامة، إلا في بعض مسائل؛ ككونها لا تباشر الحرب بنفسها، بل تشتغل بخدمة المحاربين ومداواة الجرحى، ولا تتولى القضاء في الجنايات ونحوها، وأين هذا من حال نساء المسلمين اليوم، في جهلهن بأمور الدين، وعدم مشاركتهن للرجال في عمل من الأعمال الدينية، أو الشؤون الاجتماعية، ولا هَمَّ لنساء الأغنياء في المدن إلا الزينة، والتنوق (١) في المطاعم والمشارب والملابس، والتفرج بآلات الملاهي المحرمة، والأغاني الخبيثة، وإضاعة الأوقات فيها، كما لا عمل لنساء الفقراء في القرى والدساكر إلا الخدمة في الحقول والمنازل، فهن كالأُتن الحاملة، والبقر العاملة، وكان من جزاء هذا أن صغُرتْ نفوسهن، وضعفت آدابهن، وصرن كالدواجن في البيوت، أو السوائم في الصحراء، وساءت تربية البنين والبنات، وسرى الفساد من الأفراد إلى الجماعات، وعمَّ الأُسَر والعشائر والشعوب والقبائل.

وقد قام في هذا العهد الأخير جماعات من العقلاء في كثير من البلاد الإِسلامية يطالبون بتحرير المرأة، ومشاركتها الرجل في العلم والأدب وشؤون الحياة، وصادفت هذه الدعوة آذانًا صاغية، فبدأ المسلمون يعلِّمون بناتهم، ولكن ينبغي أن يصحب هذا التعليم شيء كثير من التربية الدينية، والإصلاح في الأخلاق والعادات.

وقد كان هذا عاملًا من عوامل الانقلاب الاجتماعي الذي لا ندري ما تكون عاقبته في إصلاح الأسر الإِسلامية، ولا ما سينتج منه من نفع للإسلام والمسلمين، أو تتبع للنصارى والمشركين.

فائدة: وأتى (٢) بـ {ثُمَّ} في قوله: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} تنبيهًا لهم على خطئهم في


(١) التنوق: يقال تنوق في المطعم والمشرب إذا أخذ أجوده وأحسنه اهـ.
(٢) الجمل.