للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإنسان على نفسه كنذر ونحوه، وبما عاهده الناس بعضهم بعضا. فمن آمن برسول من رسل الله تعالى .. فقد عاهد الله حين الإيمان به أن يمتثل أمره ونهيه، وما شرعه للناس ووصاهم به فهو مما عهده إليهم، وما التزمه الإنسان من عمل البر بنذر أو يمين فهو عهد عاهد عليه ربه كما قال تعالى ناعيا على المنافقين سوء فعلهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ} الآية. وكذلك من عاهد السلطان وبايعه على الطاعة في المعروف، أو عاهد غيره على القيام بعمل مشروع وجب عليه الوفاء إذا لم يكن من قبيل المعصية. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منها كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».

{ذلِكُمْ} التكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية {وَصَّاكُمْ بِهِ}؛ أي: أمركم ربكم به أمرا مؤكدا {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}؛ أي: لعلكم تتعظون وتتذكرون فتأخذون ما أمركم به.

والتذكر (١) يطلق حينا على تكلف ذكر الشيء في القلب أو التدرج فيه بفعله المرة إثر الأخرى، وحينا على الاتعاظ والتدبر كما قال تعالى: {وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} وقال: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠)}.

والخلاصة (٢): أن ذلك الذي تلوته عليكم من الأوامر والنواهي وصاكم الله به رجاء أن يذكره بعضكم لبعض في التعليم والتواصي الذي أمر الله به في مثل قوله: {وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} لما فيه من مصالح ومنافع كتدارك النسيان والغفلة من كثرة الشواغل الدنيوية، أو رجاء أن يتعظ به من سمعه أو قرأه.

ولما كانت (٣) التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى أمورا ظاهرة يجب تعقلها وتفهمها .. ختمت بقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ولما كانت التكاليف


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.