للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الناس بعزائم الأمور، لزيادة علمه بشؤونه تعالى فقال: {وَاصْبِرْ} يا محمَّد على ما أصابك منهم من أذى في الله، ومن إعراض عن الدعوة {وَمَا صَبْرُكَ} يا محمَّد إن صبرت {إِلَّا بِاللَّهِ}؛ أي: إلا بمعونة الله تعالى، وحسن توفيقه، ومشيئته المبنية على الحكم البالغة التي تنتهي إلى عواقب محمودةٍ، والاستثناء (١) مفرغ من أعم الأشياء؛ أي: وما صبرك حاصلًا ومصحوبًا بشيء من الأشياء إلا بتوفيقه لك، وفي هذا تسليةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتهوين لمشاق الصبر عليه، وتشريفٌ له بما لا مزيد عليه، ثم نهاه عن الحزن فقال: {وَلَا تَحْزَنْ} يا محمَّد {عَلَيْهِمْ}؛ أي: على الكافرين في إعراضهم عنك، أو لا تحزن على قتلى أحد، فإنهم قد أفضوا إلى رحمة الله؛ أي: ولا تحزن على إعراض المشركين الذين يكذبونك وينكرون ما جئتهم به {وَلَا تَكُ} يا محمَّد {فِي ضَيْقٍ} وهمٍّ وغمٍّ {مِمَّا يَمْكُرُونَ}؛ أي: من مكرهم لك فيما يستقبل من الزمان؛ أي: ولا يضق صدرك بما يقولون من الجهل بنسبتك إلى السحر والكهانة والشعر، احتيالًا وخديعةً لمن أراد الإيمان بك، وصدًّا عن سبيل الله، والمعنى: لا تهتم بمكرهم.

وقصارى ذلك: أنَّه (٢) نهى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يضيق صدره مما يلقى من أذى المشركين على تبليغهم وحي الله وتنزيله، كما قال: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ} وقال: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ ...} الآية.

فالله كافيك أذاهم، وناصرك عليهم، ومؤيدك ومظهرك عليهم، فمهما حاولوا إيصال الأذى بك .. فإن الله مبعده عنك، ومحبط ما صنعوا، وهم لا يشعرون.

وقرأ الجمهور (٣): {ضَيْقٍ} بفتح الضاد، وقرأ ابن كثير بكسرها، قال ابن السكيت: هما سواء، يعني المفتوح والمكسور، وقال الفراء: الضيق بالفتح: ما


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.