للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للتبعيض واقعة موقع المفعول؛ أي: بعض الشيء الذي هو عذاب الله تعالى.

ويجوز أن تكونا للتبعيض؛ أي: بعض شيء هو بعض عذاب الله تعالى، والإعراب ما سبق. ويحتمل أن تكون الأولى مفعولًا والثانية مصدر؛ أي: فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإغناء، والفاء للدلالة على سببية الإتباع للإغناء. والاستفهام فيه (١) للتوبيخ لهم والعتاب على استغوائهم؛ لأنهم علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم؛ أي: فهل تدفعون عنا اليوم شيئًا من ذلك العذاب كما كنتم تعدوننا وتمنوننا في الدنيا. وقد حكى الله تعالى رد أولئك السادة عليهم بقوله: {قَالُوا}؛ أي: المستكبرون جوابًا عن معاتبة الأتباع، واعتذارًا عما فعلوا بهم: يا قوم {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ} إلى الإيمان ووفقنا له {لَهَدَيْنَاكُمْ} إلى طريق الرشاد، ولكن ضللنا فأضللناكم؛ أي: اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا؛ أي (٢): لو أرشدنا الله تعالى وأضاء لنا أنوار بصائرنا وأفاض علينا من توفيقه ومعونته لأرشدناكم إلى سبل الهدى، ووجهنا أنظاركم إلى طريق الخير والفلاح، ولكنه لم يهدنا فضللنا السبيل فأضللناكم.

والخلاصة: أي لو خلصنا الله من العقاب، وهدانا إلى طريق الجنة لهديناكم طريق النجاة، ودفعنا عنكم بعض العذاب، ولكن سد الله عنا طريق الخلاص. ولما كان هذا القول منهم أمارة الجزع قالوا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا} العذاب {أَجَزِعْنَا}؛ أي: أصحنا وتضرعنا مما لقينا {أَمْ صَبَرْنَا} على ذلك؛ أي: الصياح، فالتضرع والصبر مستويان علينا في عدم الإنجاء؛ أي: سواء (٣) علينا أجزعنا في طلب النجاة من ورطة الهلاك والعذاب، والجزع عدم الصبر على البلاء، أم صبرنا على ما لقينا انتظارًا للرحمة؛ أي: مستو علينا الجزع والصبر في عدم الإنجاء، ففيه إقناط الضعفاء، والهمزة وأم لتأكيد التسوية ونحوه: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ}.


(١) النسفي.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.