للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما} الخالصة التي تؤخذ بسهولة، وهي ثروبهما جمع ثرب؛ وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش والكلى {إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما}؛ أي: إلا الشحم الذي حملته ظهورهما {أَوِ الْحَوايا} أو إلا الشحم الذي حملته المباعر والمصارين وعلقت بها {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}؛ أي: أو إلا شحما مختلطا بعظم مثل شحم الألية، فإنه متصل بالعصعص، وهذا إنما يكون في الضأن، فتلخص: إن الذي حرم عليهم من البقر والغنم شحومهما الخالصة، وهي شحوم الكرشي والكلى، وإن ما عدا ذلك حلال لهم.

والحاصل: أنه حرم عليهم لحم كل ذي ظفر وشحمه، وكل شيء منه، ومن البقر والغنم دون غيرهما مما أحل لهم من حيوان البر والبحر حرمنا عليهم شحومهما الزائدة التي تنزع بسهولة لعدم اختلاطهما بعظم ولا لحم، ولم يحرم عليهم منهما ما حملت الظهور أو الحوايا أو ما اختلط بعظم. والسبب (١) في تخصيص البقر والغنم بهذا الحكم أن القرابين عندهم لا تكون إلا منهما، وكان يتخذ من شحمهما الوقود للرب، كما ذكر ذلك في الفصل الثالث من سفر اللاويين من التوراة، في قرابين السلامة من البقر والغنم: (كل الشحم للرب فريضة في أجيالكم في جميع مساكنهم، لا تأكلوا شيئا من الشحم والدم).

{ذلِكَ} التحريم {جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ}؛ أي: جعلناه عقوبة وجزاء لهم على بغيهم وظلمهم؛ وهو قتلهم الأنبياء وأخذهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل، وليس ذلك التحريم لخبث ذاته، فكانوا (٢) كلما ارتكبوا معصية من هذه المعاصي .. عوقبوا بتحريم شيء مما أحل لهم وهم ينكرون ذلك، ويدعون أنها محرمة على الأمم قبلهم. ولما كان هذا النبأ عن شريعة اليهود من الأنباء التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قومه يعلمون منها شيئا لأميتهم، وكان مظنة تكذيب المشركين له؛ لأنهم لا يؤمنون بالوحي، ومظنة تكذيب اليهود له بأن الله لم يحرم ذلك عقوبة ببغيهم وظلمهم .. أكده فقال: {وَإِنَّا لَصادِقُونَ}؛ أي: وإنا لصادقون


(١) المراغي.
(٢) أبو السعود.