للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القاذورات، فيكون التطهير كناية عن التقصير؛ لأنّه من لوازمه.

ومعنى التقصير (١): أن تكون إلى أنصاف الساقين، أو إلى الكتب، فإنه - صلى الله عليه وسلم - جعل غاية طول الإزار إلى أعلى الكعب، وتوعّد على ما تحته بالنار، فإنّه أتقى وأنقى وأبقى، وهو أوّل ما أمر به - صلى الله عليه وسلم - من رفض العادات المذمومة، فإنّ المشركين ما كانوا يصونون ثيابهم من النجاسات. وفيه انتقال من تطهير الباطن إلى تطهير الظاهر؛ لأن الغالب أن من نقى باطنه أبى إلا اجتناب الخبث وإيثار الطهارة في كل شيء، فإن الدين مبنيّ على النظافة، ولا يدخل الجنة إلا نظيف، والله يحب الناسك النظيف.

قال الراغب: الطهارة ضربان: طهارة جسم وطهارة نفس، وقد حمل عليهما عامّة الآيات. وقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)} قيل معناه: نفسك نزهها عن المعايب انتهى. أو طهر قلبك كما في "القاموس" أو أخلاقك فحسّن، قاله الحسن. وفي الحديث: حسّن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار، أو عملك فأصلح كما في "الكواشي". ومنه: الحديث "يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات فيهما". أي: عمليه الخبيث والطيب، كما في "عين المعاني". وإنه ليبعث في ثيابه؛ أي: أعماله كما في "القاموس". أو أهلك فطهّرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب. والعرب تسمّي الأهل ثوبًا ولباسًا، قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، كما في "كشف الأسرار".

وسئل (٢) ابن عباس عن ذلك؟ فقال: لا تلبسها على معصية، ولا عن غدرة ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن مسلمة الثقفي؟

فإِنِّيْ بِحَمْدِ الله لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ ... لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتقنَّعُ

والعرب تقول عن الرجل إذا نكث العهد، ولم يف به: إنه لدنس الثياب، وإذا وفي ولم يغدر إنه لطاهر الثوب. قال السموءل بن عاديا اليهودي:

إِذَا الْمَرءُ لَمْ يَدْنسْ مِنَ اللُّؤّمِ عِرْضُهُ ... فَكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيْلُ

ولا تزال هذه المعاني مستعملة في ديار مصر وغيرها، فيقولون: فلان طاهر


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.