الكافر حين يطول قيامه في شدة وزحمة وهول، يقول: يا رب أرحني ولو كان بالنار، وفيه إشارة إلى الأوصاف الذميمة النفسانية السبعة، وهي الكبر والبخل والحرص والشهوة والحسد والغضب والحقد، فإنها أبواب جهنم، وكل من يدخل فيها لا بدّ له من أن يدخل من باب من أبوابها، فلا بد من تزكيتها وتخلية النفس عنها. {وَقَالَ لَهُمْ}؛ أي: للذين كفروا {خَزَنَتُهَا}؛ أي: خزنة جهنم وزبانيتها وحرّاسها تقريعًا، وتوبيخًا لهم، وزيادة في الإيلام والتوجيع، واحدها خازن، وهو حافظ الخزانة وما فيها، والمراد: حفظة جهنم وزبانيتها، وهم الملائكة الموكّلون بتعذيب أهلها {أَلَمْ يَأْتِكُمْ} أيها الكفرة {رُسُلٌ مِنْكُمْ}؛ أي: من جنسكم، آدميون مثلكم؛ ليسهل عليكم مراجعتهم وفهم كلامهم. وقرىء:{نذر}، كما في "المراح"{يَتْلُونَ}؛ أي: يتلو أولئك الرسل، ويقرؤون {عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} التي أنزلها عليهم؛ لتبليغها إليكم {وَيُنْذِرُونَكُمْ}؛ أي: يخوفونكم {لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}؛ أي: لقاء وقتكم هذا، وهو وقت دخولهم النار، لا يوم القيامة، وذلك لأن الإضافة اللامية تفيد الاختصاص، ولا اختصاص ليوم القيامة بالكفار، وقد جاء استعمال اليوم والأيام مستفيضًا في أوقات الشدة، فلذلك حمل على الوقت.
وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع، من حيث أنهم علّلوا توبيخهم بإتيان الرسل وتبليغ الكتب، فأجابوا بالاعتراف، ولم يقدروا على الجدل الذي كانوا يتعلّلون به في الدنيا؛ لانكشاف الأمر وظهوره، ولهذا {قَالُوا بَلَى} قد أتونا، وتلوا علينا، وأنذرونا، فأقرّوا في وقت لا ينفعهم الإقرار والاعتراف {وَلَكِنْ حَقَّتْ} ووجبت {كَلِمَةُ الْعَذَابِ} وهي قوله تعالى لإبليس: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)} وقد كنا ممن تبع إبليس، فكذبنا الرسل، وقلنا ما نزل الله من شيء، إن أنتم إلا تكذبون.
ومعنى الآية: أي وسيق الكافرون بربهم، المشركون به الأصنام والأوثان، إلى جهنم سوقًا عنيفًا، أفواجًا متفرقةً بعضها في إثر بعض، بحسب ترتب طبقاتهم في الضلال والشرُّ، بزجرٍ وتهديدٍ ووعيدٍ، كما يساق المجرمون في الدنيا إلى السجون جماعاتٍ جماعات، مع الإهانة والتحقير على ضروب شتى، ونحو الآية قوله: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣)}؛ أي: يدفعون إليها دفعًا.
{إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}؛ أي: حتى إذا وصلوا إليها .. فتحت لهم