للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شياطين الإنس والجن، وكانوا لهم بالمرصاد، وقاوموا دعوتهم {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}. فلا تجزع أيها الرسول، فإن هذا دأب الأنبياء قبلك، واصبر كما صبروا، قال ابن عباس: كان عدو النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا جهل، وعدو موسى قارون، وكان قارون ابن عمّ موسى، ونحو الآية قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}.

ثم وعده بالهداية والنصر والتأييد وغلبته لأعدائه، فقال: {وَكَفَى بِرَبِّكَ}؛ أي: كفاك ربك. والباء صلة لتأكيد {هَادِيًا}: تمييز؛ أي: من جهة هدايته لك إلى كافة مطالبك، ومنها انتشار شريعتك وكثرة الآخذين بها {وَنَصِيرًا}؛ أي: ومن جهة نصرته لك على جميع أعدائك، فلا تبال بمن يعاديك وسيبلغ حكمك إلى أقطار الأرض وأكناف الدنيا. ويصح أن يكون: {هَادِيًا} حالًا من {ربك}؛ أي: حالة كونه هاديًا لك، وناصرًا لك.

والمعنى (١): أي وكفاك ربك هاديًا لك إلى مصالح الدين والدنيا، وسيبلغك أقصى ما تطلب من الكمال، وسينصرك على أعدائك، وستكون لك الغلبة عليهم آخرًا، فلا يهولنك كثرة عَددهم وعُددهم، فإني لا محالة جاعل كلمة الله هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى، فاصبر لأمري وامض لتبليغ رسالتي حتى يبلغ الكتاب أجله.

دلت الآية (٢) بالعبارة والإشارة على أن لكل نبي وولي عدوًا يمتحنه الله به، ويظهر شرف اصطفائه. قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله تعالى: رفعت درجات الأنبياء والأولياء بامتحانهم بالمخالفين والأعداء، وفي الخبر: "لو أن مؤمنًا ارتقى على ذروة جبل لقيض الله إليه منافقًا يؤذيه فيؤجر عليه"، ثم لم يغادر الله المجرم المعاند العدو لوليه حتى أذاقه وبال ما استوجبه على معاداته، كما قال في الحديث الرباني: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب"، وقال: "وأنا أنتقم لأوليائي كما ينتقم الليث الجريء لجروه".


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.