للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من الآيات، بل اتبعوا {أَهْوَاءَهُمْ} وشهواتهم للتسجيل عليهم، ففي الكلام إضراب مع الالتفات، ووضع الظاهر، أعني: الموصول موضع المضمر، للتسجيل عليهم، بأنهم في ذلك الاتباع ظالمون؛ لأن مقتضى: السياق أن يقال: بل اتبعتم أهواءكم بغير علم، وقوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من الموصول؛ أي: بل أَتبع الذين ظلموا أهواءهم الزائغة، وآراءهم الفاسدة، حال كونهم جاهلين، ما أتوا به من الضلالة، لا يكفهم عنه شيء، فإن العالم إذا أَتبع هواه .. ربما ردعه علمه.

والاستفهام في قوله: {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}؛ أي: خلق فيه الضلالة بصرف اختياره إلى كسبها: إنكاري؛ أي: لا أحد يقدر على هدايته؛ لأن الرشاد والهداية، بتقدير الله تعالى وإرادته {وَمَا لَهُمْ}؛ أي: لمن أضله الله تعالى، والجمع باعتبار المعنى، والمراد بهم المشركون {مِنْ نَاصِرِينَ} يخلصونهم من الضلال، ويحفظونهم من آفاته؛ أي: ليس لأحدٍ منهم ناصر واحد على ما هو قاعدة مقابلة الجمع بالجمع؛ أي: ما لهؤلاء الذين أضلهم الله من ناصرين ينصرونهم، ويحولون بينهم وبين عذاب الله سبحانه؛ أي: هؤلاء ممن أضلهم الله فلا هادي لهم.

ومعنى الآية (١): أي ولكن الذين ظلموا أنفسهم، فكفروا بالله، اتبعوا أهواءهم جهلًا منهم لحق الله عليهم، فأشركوا الآلهة والأوثان في عبادته، ولو قلبوا وجوه الرأي، واستعملوا الفكر والتدبر .. لربما ردهم ذلك إلى معرفة الحق، ووصلوا إلى سبيل الرشد، ولكن أنى لهم ذلك.

فمن يهدي من خلق الله فيه الضلال، وجعله كاسبًا له باختياره، لسوء استعداده، وميله بالفطرة إليه، وعلم الله فيه ذلك، وليس لهم ناصر ينقذهم من بأس الله، وشديد إنتقامه إذا حل بهم؛ لأنه ما شاء .. كان، وما لم يشأ لم يكن.

وفي الآية إشارة إلى (٢) أن العمل بمقتضى العقل السليم هدى، والميل إلى


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.