على وفق الترتيب الوقوعي، وليصل به ذكر كونه تعبير رؤياه {وَقَالَ} يوسف لأبيه يعقوب: {يَا أَبَتِ}؛ أي: يا أبي {هَذَا} السجود منكم {تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ}؛ أي: تصديق منامي التي رأيتها وقصصتها عليك {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل هذا الوقت في زمن الصبا يريد قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}. {قَدْ جَعَلَهَا}؛ أي: قد جعل تلك الرؤية {رَبِّي حَقًّا}؛ أي: صدقًا في اليقظة واقعًا بعينها؛ أي: قد جعلها ربي حقيقة واقعة، واستبان أنها لم تكن أضغاث أحلام، فالكواكب الأحد عشر مثال إخوتي الأحد عشر، وأنت وأمي مثال الشمس والقمر، ولا بدع في ذلك. فهذه الأسرة هي التي حفظ الله بها ذرية إسحاق بن إبراهيم لتنشر دين التوحيد بين العالمين، فكانت خير أسر البشر جميعًا. قال سلمان: كان بين رؤياه وتأويلها أربعون عامًا. {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} ربي وأكرمني وأنعم علي {إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} والحبس، وسما بي إلى عرش الملك، إنما ذكر إخراجه من السجن، ولم يذكر إخراجه من الجبّ؛ لئلا تخجل إخوته، ولأن خروجه من السجن كان سببًا لصيرورته ملكًا، ولوصوله إلى أبيه وإخوته، ولزوال التهمة عنه، وكان ذلك من أعظم نعمه تعالى عليه، ولأن عهده بالسجن أقرب من الجبّ.
فائدة: قال لقمان الحكيم رضي الله عنه: خدمت أربعة آلاف نبي، واخترت من كلامهم ثماني كلمات: إن كنت في الصلاة .. فاحفظ قلبك، وإن كنت في بيت الغير .. فاحفظ عينيك، وإن كنت بين الناس .. فاحفظ لسانك، واذكر اثنين وانس اثنين، أما اللذان تذكرهما فالله والموت، وأما اللذان تنساهما إحسانك في حق الغير وإساءة الغير في حقك. ذكره في "روح البيان".
{وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}؛ أي: من البادية، وكان يعقوب وأولاده أصحاب ماشية، فسكنوا البادية، وهي أرض كنعان بالشام. وقال علي بن طلحة؛ أي: من فلسطين. {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ} وأفسد {بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} بالحسد، وحمل بعضنا على بعض، وأحال يوسف ذنب إخوته على الشيطان تكرمًا منه وتأدبًا؛ أي: وقد أحسن بي ربي من بعد أن أفسد الشيطان ما بيني وبين إخوتي من عاطفة