لا تفرط ولا تهمل، وأصله من القصد, لأنَّ من عرف مقصودًا طلبه من غير اعوجاج عنه. وهذه الجملة واقعة في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: هل جميعهم متصفون بالأوصاف السابقة أو البعض منهم دون البعض؟ ذكره الشوكاني. والمراد بالأمة المقتصدة من آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه من اليهود، والنجاشي وأصحابه من النصارى وسلمان وأصحابه {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ}؛ أي: من أهل الكتاب الذين أقاموا على كفرهم، مثل كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وأبي ياسر وسائر رؤوساء اليهود {سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}؛ أي: بئس ما يعملونه من إقامتهم على كفرهم، وفيه معنى التعجب، كأنه قيل: وكثير منهم ما أسوأ عملهم! وهو المعاندة وتحريف الحق، والإعراض عنه والإفراط في العداوة وكتمان صفة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، واجتراح المعاصي ويزعم النصارى منهم أن المسيح ابن الله ويكذبون بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ويكذب اليهود بعيسى وبمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى عيسى وسائر الأنبياء والمرسلين.
والمعتدلون لا تخلو منهم أمة، لكنهم يكثرون من طور صلاح الأمة وارتقائها، ويقلون في طور فسادها وانحلالها, ولا تهلك الأمم إلا بكثرة من يعمل السوء من أشرارها، وقلة من يعمل الصالحات من أخيارها، وهؤلاء المعتدلون هم السابقون إلى كل صلاح وإصلاح يقوم به المجددون من الأنبياء في مختلف العصور، ومن ثم قبل هذا الدين الجديد هؤلاء المقتصدون من أهل الكتاب ومن غيرهم، فكانوا مع إخوانهم العرب من المجددين للتوحيد والفضائل والآداب والمحبين للعلوم والفنون.
روى ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يوشك أن يرفع العلم" قلت: كيف وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبنائنا؟ فقال:"ثكلتك أمك يا ابن نفير إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة أو ليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى، فما أغنى ذلك عنهم حين تركوا أمر الله ثم قرأ:{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} الآية".
وأخرج أحمد وابن ماجه عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا فقال:"وذلك عند ذهاب العلم" قلنا: يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن