مفصولا عن المتقين على أنّها خبر له، وكأنّه لما قيل:{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} قيل: ما بالهم خصّوا بذلك؟ فأجيب بقوله:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى آخر الآيات. وإلّا فاستئناف لا محلّ لها، فكأنّه ينتجه الأحكام السابقة، والصفات المتقدمة.
وأولاء: جمع، لا واحد له من لفظه، مبني على الكسر، وكافه للخطاب كالكاف في {ذلِكَ}؛ أي: المذكورون قبله، وهم المتقون الموصوفون بالإيمان بالغيب وسائر الأوصاف المذكورة بعده. وفيه دلالة على أنّهم متميّزون بذلك أكمل تميّز، منتظمون بسببه في سلك الأمور المشاهدة، وما فيه من معنى البعد؛ للإشعار بعلوّ درجتهم وبعد منزلتهم في الفضل.
وهو مبتدأ، وقوله عزّ وجل:{عَلى هُدىً} خبره، وما فيه من الإبهام المفهوم من التنكير؛ لكمال تفخيمه، كأنّه قيل: على هدى؛ أي: هدى لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره، كما تقول: لو أبصرت فلانا لأبصرت رجلا. وإيراد كلمة الاستعلاء؛ لتمثيل حالهم في ملابستهم بالهدى، وتمسكهم به، واستقرارهم عليه بحال من يقبل الشيء، ويستولي عليه. يعني: شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه بحيث يتصرف فيه كيفما يريد؛ وذلك إنما يحصل باستفراغ الفكر، وإدامة النظر فيما نصب من الحجج، والمواظبة على محاسبة النفس في العمل. يعني: أكرمهم الله تعالى في الدنيا، حيث هداهم، وبيّن لهم طريق الفلاح قبل الموت.
{مِنْ رَبِّهِمْ} متعلق بمحذوف وقع صفة له، مبيّنة لفخامته الإضافية إثر بيان فخامته الذاتيّة، مؤكّدة لها؛ أي: على هدى كائن من ربهم سبحانه، وهو شامل لجميع أنواع هدايته تعالى وفنون توفيقه. والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم؛ لغاية تفخيم الموصوف، والمضاف إليهم وتشريفهما.
ثمّ في هذه الآية (١) ذكر الهدى للموصوفين بكل هذه الصفات، وفي قوله:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا} إلى قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ