وأولاد أولاده، وقال لهم: قد حضر أجلي، ما تعبدون من بعدي؟ قال الراغب: لم يَعْنِ بقوله: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} العبادة المشروعة فقط، وإنَّما عنى أن يكون مقصودهم في جميع الأعمال وجه الله تعالى ومرضاته، وأن يتباعدوا عمَّا لا يتوسَّل به إليهما، وكأنَّه دعاهم إلى أن لا يتحرَّوا في أعمالهم غير وجه الله تعالى، ولم يَخَفْ عليهم الاشتغالَ بعبادة الأصنام، وإنّما خاف أن تشغلهم دنياهم، ولهذا قيل: ما قطعك عن الله فهو طاغوتٌ، ولهذا قال في دعائه:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}؛ أي: أن نخدم ما دون الله تعالى. قال النحرير التفتازانيُّ: و (ما) عامٌّ؛ أي: يصحُّ إطلاقه على ذي العقل، وغيره عند الإبهام، سواءٌ كان للاستفهام، أو غيره، وإذا علم أنَّ الشيء من ذي العقل والعلم، فُرِّقَ (بمَنْ) و (ما)، فيخُصُّ (مَنْ) بذي العلم، و (ما) بغيره، وبهذا الاعتبار يقال: إنَّ (ما) لغير العقلاء. انتهى كلامه.
وتمَّ الإنكار عليهم عند قوله:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} ثُمَّ استأنف وبيَّن أنَّ الأمر قد جرى على خلاف ما زعموا، فقال: و {قَالُوا} كأنَّه قيل: فماذا قال أولاد يعقوب؟ فقيل: قالوا: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ} ربَّ العالمين {وَإِلَهَ آبَائِكَ} معبود الأولين والآخرين، وأعيد ذكر الإله؛ لئلَّا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار. وقرأ الجمهور {وَإِلَهَ آبَائِكَ}. وقرأ أُبيٌّ {وإلهَ إبراهيم} بإسقاط آبائك. وقرأ ابن عباس، والحسن، وابن يعمر، والجحدريُّ وأبو رجاء {وإله أبيك} وقوله: {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} عطف بيان لآبائك، أو بدل تفصيل له؛ أي: نعبد الإله المتفق على وجوده، وإلهيته، ووجوب عبادته، وقدَّم إسماعيل؛ لأنّه كان أكبر من إسحاق، وجعله من جملة آبائه مع كونه عمًّا له؛ تغليبًا للأب والجدِّ؛ ولأنَّ العمَّ أبٌ، والخالة أُمٌّ؛ لانْخِرَاطِهما في سلكٍ واحدٍ، وهو الأخوَّة لا تفاوت بينهما، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في العباس:"هذا بقيَّة آبائي" وفي "الصحيحين": "عمُّ الرجل صنو أبيه"؛ أي: مثله في أنَّ أصلهما واحدٌ؛ أي: لا تفاوت بينهما، كما لا تفاوت بين صنوي النخلة. وقوله:{إِلَهًا وَاحِدًا} بدلٌ من {إله آبائك} كقوله تعالي: {بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} وفائدته: التصريح بالتوحيد، ودفع التوهُّم الناشىء من تكرار المضاف لتعذّر العطف على المجرور، والتأكيد، أو