تحاكموا إليه في أمر قتيل كان بينهم. {وَاحْذَرْهُمْ}؛ أي: واحذر يا محمد هؤلاء اليهود الذين جاؤوا إليك من {أَنْ يَفْتِنُوكَ} ويصرفوك وينزلوك ويصدوك بمكرهم وكيدهم {عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} في كتابه، فيحملوك على ترك العمل به لتحكم بغيره، ويردوك إلى أهوائهم.
أخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس من اليهود: اذهب وابنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه، فقالوا: يا محمد إنك عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وأنا إن اتبعناك .. اتبعنا يهود ولم يخالفونا، وأنَّ بيننا وبين قومنا خصومة فنخاصمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك، فأبى ذلك وأنزل الله عزّ وجل فيهم:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} إلى قوله: {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} كما مرّ ذلك في أسباب النزول، يريد أن الحكمة في إنزال هذه الآية: إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما فعل، والأمر بالثبات على ما سار عليه من التزام حكم الله، وعدم الانخداع لليهود.
فقوله:{أَنْ يَفْتِنُوكَ} بدل اشتمال من المفعول؛ أي: واحذرهم فتنتهم، أو مضاف إليه لمفعول من أجله محذوف؛ أي: احذرهم مخافة أنْ يفتنوك؛ أي: يصرفوك عن الحق، ويلقوك في الباطل كما سيأتي في بحث الإعراب {فَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: فإن أعرضوا عن حكمك بما أنزل الله بعد تحاكمهم إليك وأرادوا غيره {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ}؛ أي: فاعلم يا محمد ما سبب ذاك إلا لأن الله يريد {أَنْ يُصِيبَهُمْ} ويعذبهم في الحياة الدنما قبل الآخرة {بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} وهو ذنب التولي والإعراض عما جئت به؛ لأنَّ استثقالهم لأحكام التوراة وتحاكمهم إليك لعلك تتبع أهوائهم، ومحاولتهم لفتنتك عن بعض ما أنزل الله إليك، كل هذه أمارات على فساد الأخلاق وانحلال روابط الاجتماع، ولا بد أن تكون نتيجتها وقوع العذاب بهم، وقد حل بيهود المدينة وما حولها بغدرهم ما حل، فقد أجلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بني النضير عنها وقتل بني قريظة.
وإنَّما خص بعض الذنوب؛ لأن الله جازاهم في الدنيا على بعض ذنوبهم