بما وعد الله به من البعث والقيامة ولقاء الله كلَّ ما ربحه وفاز به المؤمنون من ثمرات الإيمان في الدنيا، كرضا الله وشكره حين النعمة والعزاء وقت المصيبة، ومن ثمرات الإيمان في الآخرة من الحساب اليسير والثواب الجسيم، والرضوان الأكبر، والنعيم المقيم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب. وما سبب هذا إلا أن إنكار البعث والجزاء يفسد الفطرة البشرية، ويفضي إلى الشرور والآثام، فإن الاعتقاد بأن لا حياة بعد هذه الحياة .. يجعل همَّ الكافرين محصورًا في الاستمتاع بلذات الدنيا وشهواتها البدنية والنفسية، كالجاه والرياسة والعلو في الأرض - ولو بالباطل - ومن كانوا كذلك .. كانوا شرًّا من الشياطين، يكيد بعضهم لبعض، ويفترس بعضهم بعضًا، لا يصدهم عن الشر إلا العجز، ولا تحكم بينهم إلا القوة. وشاهِدنا على ذلك أنَّ أرقى أهل الأرض في الحضارة والعلوم والفلسفة هم الذين يقوضون صروح المدنية بمدافعهم ودباباتهم وطياراتهم، وبكل ما أوتوا من فن واختراع، ويهلكون الحرث والنسل، ويخربون العامر من المدن ودور الصناعات بمنتهى القسوة والشدة، ويهلكون ملايين الأنفس ما بين قتيل وجريح دون أن تستشعر قلوبهم عاطفة رحمة ولا رحمة، ولو كانوا يؤمنون بالله واليوم الاخر وما فيه من الحساب والجزاء .. لما انتهوا في الطغيان إلى هذا الحد الذي نراه الآن.
{حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً}؛ أي: كذبوا بلقاء الله إلى أن جاءتهم الساعة والقيامة مباغتةً مفاجئةً لهم من غير شعور منهم لها، وقد ورد في الكتاب والسنة أنَّ الله تعالى أخفى علمها على كل أحد حتى الرسل والملائكة، فلا يعلم أحد متى يكون مجيئها، وفي أي وقت يكون حصولها. {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا}؛ أي: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله، وأصروا على هذا التكذيب حتى إذا جاءتهم منيتهم - وهي بالنسبة إليهم مبدأ الساعة، ومقدمات القيامة - مفاجئةً لهم من حيث لم يكونوا ينظرونها، ولا يعدون العدة لمجيئها .. قالوا: يا حسرتنا على تفريطنا في الحياة الدنيا التي كنا نزعم أن لا حياة بعدها؛ أي: أصروا على التكذيب حتى قالوا وقت مجيء الساعة لهم بغتةً: يا ندامتنا على تفريطنا وتقصيرنا في تحصيل الزاد للساعة في الدنيا، هذا أوانك فاحضري إلينا لنتعجب منك. {وَهُمْ يَحْمِلُونَ}؛