رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم، فهاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وعلى هذا يكون نزول الآية في أصحاب الهجرتين، فيكون نزولها في المدينة بين الهجرتين، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: نزلت هذه الآية في ستةٍ من الصحابة: صهيب وبلال وعمار وخبَّاب وعابس وجبير، أخذهم المشركون يعذبونهم ليرجعوا عن الإِسلام إلى الكفر، فأما بلال فيخرجونه إلى بطحاء مكة في شدة الحر، ويشدونه ويجعلون على صدره الحجارة، وهو يقول: أحد أحد، فاشتراه منهم أبو بكر وأعتقه، وأما صهيب فقال: أنا رجل كبير، من كنت معكم ... لم أنفعكم، وإن كنت عليكم .. لم أضركم فافتدى منهم وهاجر، وأما سائرهم فقد قالوا بعض ما أراد أهل مكة أو كلمة الكفر، فتركوا عذابهم ثم هاجروا، فبسبب هجرتهم ظهرت قوة الإِسلام، كما أن بنصرة الأنصار قويت شوكتهم، فلذلك غلبوا على أهل مكة وعلى العرب قاطبةً، وعلى أهل المشرق والمغرب، وعن عمر - رضي الله عنه - كان إذا أعطى رجلًا أو المهاجرين عطاءً قال: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أكبر.
والمعنى: أي (١) والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم وذهبوا إلى بلاد أخرى احتسابًا لأجر الله ونيلًا لمرضاته، أو بعد ما نالهم أو الكفار أو أذى في أنفسهم وأموالهم، لنسكننهم في الدنيا مساكن حية يرضونها، إذ هم لمَّا تركوا مساكنهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله .. عوَّضهم الله خيرًا منها في الدنيا، فمكَّن لهم في البلاد، وحكَّمهم في رقاب العباد، وصاروا أمراء وحكامًا، وكان كل منهم للمتقين إمامًا.
ثم أخبر سبحانه أنَّ ثوابه لهم في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال:{وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ} المعد لهم في مقابلة الهجرة {أَكْبَرُ} مما يعجل لهم في الدنيا؛ أي: ولثواب الله إياهم على هجرتهم من أجله في الآخرة أكبر وأعظم من الأجر الكائن في الدنيا؛ لأنَّ ثوابه إياهم هنالك الجنة، التي لا يفنى