للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتقدير الآية: فما كان ووجد أهل قرية آمنوا، فنفعهم إيمانهم في الدنيا {إلا قوم يونس} عليه السلام {لَمَّا آمَنُوا} أول ما رأوا أمارة العذاب {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ}؛ أي: صرفنا عنهم عذاب الذل {فِي الْحَيَاةِ} الدنيا {وَمَتَّعْنَاهُمْ} بمتاع الدنيا بعد صرف العذاب عنهم {إِلَى حِينٍ}؛ أي: إلى وقت انقضاء آجالهم. وعبارة "الفتوحات" هنا قوله: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ} {لَوْلَا} (١) تحضيضية فيها معنى النفي والتوبيخ، والتحضيض أن يريد الإنسان فعل الشيء الذي يحض عليه.

والحاصل: أن الآية تضمنت تحضيضًا وتوبيخًا ونفيًا، فالنفي راجع لمن مضى، والتوبيخ والتحضيض راجعان لمن يسمع، فوبخ الله أهل القرى المهلكة، قبل يونس، قبل نزول العذاب بهم، إلا قوم يونس فإنهم آمنوا قبل نزوله بهم، وذلك حين رؤية أماراته فالفارق بين قوم يونس ومن قبلهم، أن قوم يونس آمنوا قبل نزوله، وذلك عند حضور أماراته وغيرهم لم يؤمن قبل نزوله، أعم من أن يكون آمن وقت نزوله، أو لم يؤمن أصلًا، فبهذا الاعتبار صار بين قوم يونس وغيرهم التباين باعتبار الوصف المذكور، فلم يندرج قوم يونس في غيرهم.

روي (٢) أن يونس عليه السلام، بعث إلى نينوى من أرض الموصل، وكانوا يعبدون الأصنام فكذبوه فذهب عنهم مغاضبًا، فلما فقدوه، خافوا نزول العذاب فلبسوا المسوح وعجّوا أربعين ليلة، وكان يونس قال لهم: إن أجلكم أربعون ليلة، فقالوا: إن رأينا أسباب الهلاك .. آمنا بك، فلما مضت خمس وثلاثون ليلة، ظهر في السماء غيم أسود هائل، فظهر منه دخان شديد، وهبط ذلك الدخان حتى وقع في المدينة، وسوّد سطوحهم فخرجوا إلى الصحراء وفرقوا بين النساء والصبيان، وبين الدواب وأولادها، فحنّ بعضها إلى بعض وعلت الأصوات وكثرت التضرعات وأظهروا الإيمان والتوبة، وتضرعوا إلى الله تعالى، فرحمهم وكشف عنهم، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، يوم الجمعة.

وعن الفضل بن عباس، أنهم قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلَّت،


(١) الفتوحات.
(٢) المراح.