للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الراء وتسكين النون: وهو شيء أبيض مثل الثلج، كالشّهد المعجون بالسمن. وقيل: هو يشبه العسل الأبيض. وقيل: هو كان يقع على أشجارهم من الفجر إلى طلوع الشمس، لكلّ إنسان صاع، أو المنّ جميع ما منّ الله به على عباده من غير تعب، ولا زرع، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين»؛ أي: ممّا منّ الله به على عباده من غير تعب، ثمّ لما ملّوا من أكله، قالوا: يا موسى! قتلنا هذا المنّ بحلاوته، فادع لنا ربك أن يطعمنا اللحم، فأنزل الله عليهم السلوى، وذلك قوله: {وَالسَّلْوى}؛ أي: وأرسلنا عليكم السلوى، وهو السماني، وهو: طائر لذيذ اللحم، ليس له ذنب، ولا يطير إلا قليلا، ويموت إذا سمع صوت الرعد، فيلهمه الله أن يسكن جزائر البحر التي لا يكون فيها مطر ولا رعد، إلى انقضاء أوان المطر والرعد، فيخرج من الجزائر، وينتشر في الأرض.

وخاصّيّته: أنّ أكل لحمه يليّن القلوب القاسية، وكانت تحشره عليهم ريح الجنوب، وكانت الريح تقطع حلقومها، وتشق بطونها، وتمعط شعورها، وكانت الشمس تنضجها، فكانوا يأكلونها مع المنّ. وأكثر المفسرين على أنهم يأخذونها، فيذبحونها، فكان ينزل عليهم المنّ نزول الثلج، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وتأتيهم السلوى، فيأخذ كل إنسان منهم كفايته إلى الغد، إلا يوم الجمعة يأخذ ليومين؛ لأنه لم يكن ينزل يوم السبت؛ لأنه كان يوم عبادة، فإن أخذ أكثر من ذلك دوّد وفسد.

وقوله: {كُلُوا} مقول (١) لقول محذوف، معطوف على فعل محذوف، تقديره: أنعمنا عليكم بأنواع النعم من الطعام والشراب، من غير كدّ ولا تعب، وقلنا لكم كلوا {مِنْ طَيِّباتِ} وحلالات {ما رَزَقْناكُمْ} وأعطيناكم؛ أي: كلوا من لذائذ ما رزقناكموه من المنّ والسلوى، ولا ترفعوا منه شيئا ادخارا لغد، ولا تعصوا أمري، فرفعوا، وادّخروا، وجعلوا اللحم قديدا مخافة أن ينفد، فقطع الله عنهم، ودوّد ما ادّخروه، ولو لم يرفعوا لدام عليهم ذلك. والطيبات: جمع


(١) العمدة.