طيب، والطّيب: ما لا تعافه طبعا ولا تكرهه شرعا. وفي الحديث المتفق عليه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا بنوا إسرائيل، لم يخبث الطعام، ولم يخنز اللحم»؛ أي: لم ينتن ولم يتغيّر «ولولا حواء، لم تخن أنثى زوجها الدّهر». وقوله:{وَما ظَلَمُونا}؛ أي: وما نقصونا بما ادخروا، معطوف على محذوف، تقديره: فظلموا بأن كفروا تلك النعمة الجليلة، وادّخروا بعد ما نهوا عنه، وما ظلمونا؛ أي: ما بخسوا بحقّنا {وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛ أي: يضرّون باستيجابهم عذابي، وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم، بلا مؤونة في الدنيا، ولا حساب في العقبى، فرفعنا ذلك عنهم؛ لعدم توكلهم علينا.
فإن قلت: ما الحكمة في ذكر كانوا هنا وفي الأعراف، وحذفها في آل عمران؟
فالجواب: أن ما في السورتين إخبار عن قوم انقرضوا، وما في (آل عمران) مثل منبّه عليه بقوله: {مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ} إلخ. اه «كرخي». وقوله في الحديث: لم يخنز اللحم ولم تخن أنثى زوجها؛ أي: واستمرّ نتن اللحم من ذلك الوقت، لأنّ البادي للشيء كالحامل للغير على الإتيان به، وكذلك استمرت الخيانة من النساء؛ لأنّ أمّ النساء خانت بأن أغواها إبليس قبل آدم حتى أكلت من الشجرة، ثم أتت آدم، فزيّنت له ذلك حتى حملته على أن أكل منها، فاستمرّت تلك الخيانة من بناتها لأزواجها.
قال في «الأشباه والنظائر»: الطعام إذا تغيّر واشتدّ تغيره تنجّس، وحرم أكله واللّبن، والزّيت، والسمن، إذا أنتن لا يحرم أكله. انتهى.
وفي سفر الخروج من التوراة (١): أنهم أكلوا المن أربعين سنة، وأنّ طعمه كالرّقاق بالعسل، وكان لهم بدل الخبز إذ كانوا محرومين من البقول، والخضر.
وفي هذا إيماء إلى أنّ كلّ ما يطلبه الله من عباده، فإنما نفعه لهم، وما ينهاهم