للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المؤتفكة، فقد كانوا متحدين معه لغةً ووطنًا {فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: فجاء كل رسول منهم قومه بالحجج الدالة على صدقه في رسالته، بحسب ما يتسنى لهم فهمه، من الأدلة العقلية والحسية؛ أي: فجاء كل رسول منهم قومه المخصوصين به، بالمعجزات الدالة على صدق ما قاله، وبما أرسله الله به، من الشرائع التي شرعها الله لقوم كل نبي {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}؛ أي: فما (١) كانوا ليصدقوا بما كذبوا به، من أصول الشرائع التي أجمعت عليها الرسل قاطبةً، ودعوا أممهم إليها من قبل مجيء رسلهم؛ أي: كانت حالهم بعد مجيء الرسل كحالهم قبل ذلك، كأن لم يبعث إليهم أحد، أو المعنى؛ أي: فما استقام لقوم من أولئك الأقوام أن يؤمن المتأخر منهم بما كذب به المتقدم من قبل، ممن كان مثله في سبب كفره، وهو استكبار الرؤساء وتقليد الدهماء.

وعبارة "الشوكاني" هنا: {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا}؛ أي (٢): فما أحدثوا الإيمان بل استمروا على الكفر وأصروا عليه، والمعنى: أنه ما صح ولا استقام لقوم من أولئك الأقوام، الذين أرسل الله إليهم رسله؛ أن يؤمنوا في وقت من الأوقات {بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل تكذيبهم الواقع منهم عند مجيء الرسل إليهم.

والمعنى: أن كل قوم من العالم لم يؤمنوا زمن أن أرسل الله إليهم الرسول المبعوث إليهم على الخصوص بما كانوا مكذبين به من قبل مجيئه إليهم؛ لأنهم كانوا غير مؤمنين بل مكذبين بالدين، ولو كانوا مؤمنين لم يبعث إليهم رسولًا وهذا مبني على أن الضمير في قوله: {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} وفي قوله: {بِمَا كَذَّبُوا} راجع إلى القوم المذكورين في قوله: {إِلَى قَوْمِهِمْ} وقيل: ضمير {كَذَّبُوا} راجع إلى قوم نوح؛ أي: فما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح، من قبل أن يأتي هؤلاء الأقوام، الذين جاؤوا من بعدهم وجاءتهم رسلهم بالبينات. وقيل: إن الباء في {بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} للسببية؛ أي: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بسبب ما اعتادوه من تكذيب من قبل مجيئهم وفيه نظر. وقيل المعنى: بما كذبوا به من قبل؛ أي: في عالم الذر، فإن فيهم من كذب


(١) المراح.
(٢) الشوكاني.