للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فكان نزوله كما أخبرت به مما زادها صدقًا عند حامليها من ذوي البصائر الذين انقادوا لأمر الله، واتبعوا شرائع الله، وصدقوا رسل الله، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨)}. وفي "الفتوحات" قوله: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حال من الكتاب؛ أي: حال كونه مصدقًا لما تقدمه، إما من حيث أنّه نازل حسبما نعت فيه، أو من حيث إنّه موافق له في القصص والمواعيد، والدعوة إلى الحق والعدل بين الناس، والنهي عن المعاصي والفواحش. وأمَّا ما يترائى من مخالفته في بعض جزئيات الأحكام المتغيرة بسبب تغير الأعصار .. فليس بمخالفة في الحقيقة، بل هي موافقة لها من حيث إنَّ لكل من تلك الأحكام حق الإضافة إلى عصره، متضمن للحكمة التي يدور عليها أمر الشريعة، وليس في المتقدم دلالة على أبدية أحكامه المنسوخة حتى يخالفه الناسخ المتأخر، وإنما يدل على مشروعيتها مطلقًا من غير تعرض لبقائها وزوالها، بل نقول: هو ناطق بزوالها، مع أن الناطق بصحة ما ينسخها نطق بنسخها وزوالها. اهـ. "أبو السعود". وقوله: {مَا يُتْلَى} معطوف على مصدقًا؛ أي: وأنزلنا (١) عليك هذا القرآن حالة كونه أمينًا وشاهدًا وحاكمًا على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب الكريم الذي أنزله على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - آخر الكتب وخاتمها، وأشملها وأعظمها، وأكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكمًا عليها كلها، وتكفل الله تعالى بحفظه بنفسه فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} لأن هذا القرآن هو الذي لا ينسخ، ولا يتطرق إليه التبديل والتحريف، وإذا كان كذلك .. كانت شهادة القرآن على سائر الكتب بالصدق باقية.

وقرأ ابن محيصن ومجاهد (٢): {وَمُهَيْمِنًا} بفتح الميم الثانية على صيغة اسم المفعول؛ أي: مؤتمنًا ومحفوظًا عليه، فإنه يصان من التحريف والتبديل، والحافظ هو الله تعالى، ففي قراءة اسم الفاعل الضمير في عليه، عائد على الكتاب الثاني وفي قراءة اسم المفعول، عائد على الكتاب الأول، وفي كلا الحالين هو حال من الكتاب


(١) ابن كثير.
(٢) البحر المحيط.