للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأول لأنه معطوف على مصدقًا، والمعطوف على الحال حال.

{فَاحْكُمْ} يا محمَّد {بَيْنَهُمْ}؛ أي: بين جميع أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: بالقرآن والرجم الذي أنزل الله تعالى إليك لاشتماله على جميع ما شرعه الله لعباده في جميع الكتب السابقة عليه {وَلَا تَتَّبِعْ} يا محمد {أَهْوَاءَهُمْ}؛ أي: أهواء أهل الكتاب وشهواتهم التي هي الجلد والتحميم في الزاني المحصن، التي طلبوها منك حالة كونك معرضًا ومنحرفًا {عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} الذي هو الرجم في المحصن، وفيه (١) النهي له - صلى الله عليه وسلم - أن يتبع أهوية أهل الكتاب ويعدل عن الحق الذي أنزله الله عليه، فإن أهل كل ملة من أهل الملل يهوون أن يكون الأمر على ما هم عليه وما أدركوا عليه سلفهم، وإن كان باطلًا منسوخًا أو محرفًا عن الحكم الذي أنزله الله على الأنبياء، كما وقع في الرجم ونحوه مما حرفوه من كتب الله تعالى.

والفاء في قوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} فاء الفصيحة، والمعنى: وإذا (٢) كان هذا شأن القرآن ومنزلته مما قبله من الكتب الإلهية وهو أنه رقيب وشهيد .. فاحكم بين أهل الكتاب بما أتزل الله إليك فيه من الأحكام دون ما أنزله إليهم، إذ شريعتك ناسخة لشريعتهم {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}؛ أي: ولا تتبع ما يريدون، وهو الحكم بما يسهل عليهم، ويخفُّ احتماله، مائلًا بذلك عما جاءك من الحق الذي لا شك فيه ولا ريب {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} فاللام متعلقة بجعلنا، ومنكم صفة لكل، ولا يضر الفصل بينهما بالعامل، والمعنى: لكل أمة كائنة منكم يا أيها الأمم الثلاثة، أمة موسى، وأمة عيسى، وأمة محمَّد، جعلنا؛ أي: عينًا ووضعنا شرعة ومنهاجًا خاصين بتلك الأمة لا تكاد أمة تخطىء شرعتها التي عينت لها، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى شرعتهم التوراة، والتي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث محمَّد - صلى الله عليه وسلم - شرعتهم الإنجيل، وأما أنتم أيها الموجودون في عصر محمَّد - صلى الله عليه وسلم - من سائر


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.