كتابه العزيز بهذه الآية، وبنحو قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}، وبقوله:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}؛ أي (١): إن القرآن وافٍ ببيان جميع الأحكام، فليس لله على الخلق بعد ذلك تكليف آخر، وإن القرآن دلَّ على أن الإجماع وخبر الواحد والقياس حجة في الشريعة، فكل ما دل عليه أحد هذه الأصول الثلاثة. كان ذلك في الحقيقة موجودًا في القرآن.
روي أن ابن مسعود كان يقول: ما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه، فقرأت امرأة جميع القرآن، فأتته فقالت: يا ابن أم عبد، تلوت البارحة ما بين الدفتين، فلم أجد فيه لعن الواشمة والمستوشمة، فقال: لو تلوتيه لوجدتيه، قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، وإن مما أتانا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لعن الله الواشمة والمستوشمة".
وذُكر أن الشافعي كان جالسًا في المسجد الحرام فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى، فقال رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور، فقال: لا شيء عليه، فقال: أين هذا من كتاب الله، فقال: قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"، وقال عمر رضي الله عنه للمحرم الذي قتل الزنبور: لا شيء عليك.
وروي أن أبا العسيف قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اقضِ بيننا بكتاب الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالجلد والتغريب على العسيف، وبالرجم على المرأة. وهذا يدل على أن كل ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - هو عين كتاب الله؛ لأنه ليس في نص الكتاب ذكر الجلد والتغريب. {ثُمَّ} بعد انقضاء مدة الدنيا {إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}؛ أي: إلى موقف حسابهم يجمعون؛ أي: يبعث الخلائق والأمم المذكورة من الإنس والدواب والطيور، ويساقون إلى موقف حسابهم حالة كونهم محشورين ومجموعين في صعيد واحد للمجازاة، وفيه