للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذه (١) الآية الكريمة ونحوها ترشدنا إلى البحث في طباع الأحياء لنزداد علمًا بسنن الله تعالى وأسراره في خلقه، ونزداد بآياته فيها إيمانًا وحكمة وكمالًا وعلمًا، ونعتبر بحال المكذبين بها الذين لم يستفيدوا بما فضلهم الله به على الحيوان، فكانوا أضلَّ من جميع أنواعه التي لا تجني على نفسها ما يجنيه الكافر على نفسه.

{مَا فَرَّطْنَا}؛ أي: ما تركنا وما أهملنا {فِي الْكِتَابِ}؛ أي: في اللوح المحفوظ من الشيطان، ومن تغيير شيء منه {مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: شيئًا من الكائنات، ما كان منها وما سيكون بحسب السنن الإلهية، فإن الله سبحانه وتعالى أثبت فيه جميع الحوادث، وهو خلق من عالم الغيب، وقيل: المراد بالكتاب هنا: علم الله المحيط بكل شيء، شبه بالكتاب لكونه ثابتًا لا ينسى. قال الحافظ ابن كثير: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: الجميع علمهم عند الله تعالى لا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه، سواء كان بريًّا أو بحريًّا، كقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦) أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ونظامها، وحاصر لحركاتها وسكناتها. انتهى.

وقيل: هو القرآن؛ أي: ما تركنا شيئًا من ضروب الهداية التي نرسل من أجلها الرسل إلا بيناه فيه، فقد ذكرت فيه أصول الدين وأحكامه، وحكمها، والإرشاد إلى استعمال القوى البدنية والعقلية التي سخرها الله للإنسان.

{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: ما تركنا في القرآن شيئًا من الأشياء المهمة من أمور الدين؛ إما (٢) تفصيلًا، أو إجمالًا، ومثله قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فأمر في هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل حكم سنه الرسول لأمته فقد ذكره الله سبحانه وتعالى في


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.