قلتُ: اختلف العلماء في وجه هذه المماثلة، فقيل: إن هذه الحيوانات تعرف الله وتوحده وتسبحه وتصلي له، كما أنكم تعرفون الله وتوحدونه وتسبحونه وتصلون له، وقيل: إنها مخلوقة لله كما أنكم مخلوقون لله عَزَّ وَجَلَّ، وقيل: إنها يفهم بعضها عن بعض، ويألف بعضها بعضًا، كما أن جنس الإنسان يألف بعضهم بعضًا ويفهم بعضهم عن بعض، وقيل: أمثالكم في طلب الرزق، وتوقي المهالك، ومعرفة الذكر والأنثى، وقيل: أمثالكم في الخلق والموت والبعث بعد الموت للحساب، حتى يقتص للجماء من القرناء، وقال سفيان بن عيينة؛ أي: ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه، فمنهم من يعدو كالأسد، ومنهم من يشره كالخنزير، ومنهم من يعوي كالكلب، ومنهم من يزهو كالطاوس، والأولى أن تحمل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنًا ما كان. وعبارة "المراغي" هنا: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} إلخ؛ أي: لا يوجد (١) نوع من أنواع الأحياء التي تدب على الأرض، ولا نوع من أنواع الطير التي تسبح في الهواء إلا وهي أمم مماثلة لكم أيها الناس، وقد أثبت الإحصائيون الباحثون في طباع الحيوان الذين تفرغوا لدرس غرائزها وأعمالها، أن النمل مثلًا يغزو بعضه بعضًا، وأن المنتصر يسترق المنكسر ويسخره في حمل قوته وبناء قراه إلى نحو أولئك من الأعمال التي تخصه.
وخص دواب الأرض بالذكر؛ لأنها هي التي يراها المخاطبون عامة ويدركون فيها معنى المماثلة دون دواب الأجرام السماوية القابلة للحياة الحيوانية التي أعلمنا بوجودها في قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (٢٩)} وهذا من أخبار الغيب التي دل العلم الحديث على صدقها، فقد أثبت الباحثون من علماء الفلك أن بعض الكواكب كالمريخ فيه ماء ونبات، فلا بد أن يكون أنواع من الحيوان، بل فيه أمارات على وجود عالم اجتماعي صناعي كالإنسان، منها ما يرى على سطحه بالمرقب - التلسكوب - من جداول منظمة، وخلجان وجبال ووديان إلى نحو أولئك.