وابن عامر فيكون قوله:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} من جملة كلامها، ومن تمام تحسرها وتحزنها؛ أي: ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادمًا صالحًا للنذر، كالأنثى التي لا تصلح للنذر، والمراد منه: تفضيل الذكر على الأنثى؛ لأن الذكر يصلح لخدمة الكنيسة، ولا تصلح الأنثى لذلك؛ لضعفها وما يعرض لها من الحيض والنفاس؛ ولأنها عورة ولا يجوز لها الحضور مع الرجال، وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت، وقوله:{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} معطوف على قوله: {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} ومقصودها من هذا: الإخبار بالتسمية للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يكون فعلها مطابقًا لمعنى اسمها، فإن معنى مريم: خادم الرب بلغتهم، فهي وإن كانت غير صالحة لخدمة الكنيسة، فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات، وكأنها أرادت بهذه التسمية أن تطلب من الله تعالى أن يعصمها من آفات الدين والدنيا؛ لأن المعنى: وإني سميت هذه البنت المولودة لي عابدة الرب.
{وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا} أي: وإني يا إلهي أجيرها وأحفظها وأولادها بحفظك وعصمتك {مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}؛ أي: من ضرر إبليس اللعين المطرود عن رحمتك، ووسوسته، وهذه الجملة معطوفة على جملة قوله:{رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا}{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا}.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ما من مولود يولد من بني آدم إلا نخسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخًا من نخسه إياه، إلا مريم وابنها"، ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إنْ شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
وروى البخاري عنه رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب ليطعن، فطعن في الحجاب".
والمراد: أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه إلا مريم