للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومفهوم الأولية معطل (١).

ومعنى الآية: لا تكفروا به، فتكونوا أولا بالنسبة لمن بعدكم من ذريتكم، فتبوءوا بإثمكم وإثمهم، فهذا أبلغ من قوله ولا تكفروا؛ لأن فيه إثما واحدا؛ أي: بل يجب أن تكونوا أول من آمن به، لأنكم أهل نظر في معجزاته وعلم بشأنه {وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي}؛ أي: لا تأخذوا لأنفسكم بدلا منها {ثَمَنًا قَلِيلًا} هي الحظوظ الدنيوية، فإنها وإن جلّت قليلة مسترذلة بالنسبة إلى ما فاتهم من حظوظ الآخرة بترك الإيمان. قيل: كانت عامتهم يعطون أحبارهم من زروعهم وثمارهم، ويهدون إليهم الهدايا، ويعطونهم الرّشا على تحريفهم الكلم، وتسهيلهم لهم ما صعب عليهم من الشرائع. وكان ملوكهم يجرون عليهم الأموال؛ ليكتموا ويحرفوا، فلما كانت لهم رياسة عندهم، ومآكل منهم، خافوا أن يذهب ذلك منهم؛ أي: من الأحبار لو آمنوا بمحمد واتبعوه، وهم عارفون صفته وصدقه، فلم يزالوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويغيرون نعت محمد صلّى الله عليه وسلّم، كما حكي أن كعب بن الأشرف قال لأحبار اليهود: ما تقولون في محمد؟ قالوا: إنه نبيّ. قال لهم: كان لكم عندي صلة وعطية لو قلتم غير هذا. قالوا: أجبناك من غير تفكر، فأمهلنا نتفكر وننظر في التوراة، فخرجوا، وبدّلوا نعت المصطفى بنعت الدّجال، ثم رجعوا وقالوا ذلك، فأعطى كلّ واحد منهم صاعا من شعير، وأربعة أذرع من الكرباس، فهو القليل الذي ذكره الله سبحانه في هذه الآية الكريمة.

والمعنى: {وَلا تَشْتَرُوا}؛ أي: لا تأخذوا بكتمان آياتي؛ أي: بكتمان محمد صلّى الله عليه وسلّم المذكور في كتابكم {ثَمَنًا قَلِيلًا}؛ أي: عوضا يسيرا من الدنيا من سفلتكم يعني: لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سفلتكم.

وعبارة «الجمل» هنا (٢): وذلك أن كعب بن الأشرف، ورؤساء اليهود، وعلماءهم كانوا يصيبون المآكل من سفلتهم وجهالهم، وكانوا يأخذون منهم في كل سنة شيئا معلوما من زرعهم، وثمارهم، ونقودهم، فخافوا أنهم إن بيّنوا صفة


(١) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.