للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدجال. وظاهر هذا التركيب: أن الباء في قوله: {بِالْباطِلِ} للإلصاق كقولهم: خلطت الماء باللبن، فكأنهم نهوا عن أن يخلطوا الحقّ بالباطل فلا يتميز الحق من الباطل. انتهى.

{وَ} لا {تَكْتُمُوا الْحَقَّ} مجزوم (١) عطفا على تلبسوا، والمعنى: النّهي عن كل واحد من الفعلين، كما قالوا: لا تأكل السمك وتشرب اللبن بالجزم، نهيا عن كل واحد من الفعلين، أو منصوب بإضمار أن، وعلى الأول يكون كل واحد من اللّبس والكتم منهيا عنه، وعلى الثاني يكون المنهيّ عنه هو الجمع بين الأمرين، ومن هذا يظهر رجحان دخوله تحت حكم النهي، وأنّ كل واحد منهما لا يجوز فعله على انفراده، والمراد: النهي عن كتم حجج الله التي أوجب تبليغها، وأخذ عليهم بيانها. وجملة قوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} حالية من واو الفاعل في الفعلين؛ أي: حالة كونكم عالمين بأنكم لابسون كاتمون، أو أنتم تعلمون أنه حق نبي مرسل، قد أنزل عليكم ذكره في كتابكم، فجحدتم نبوته مع العلم به، أو المعنى: وأنتم تعلمون ما في إضلال الخلق من الضرر العظيم العائد عليكم، وليس إيراد الحال لتقييد المنهي به، بل لزيادة تقبيح حالهم، إذ الجاهل قد يعذر.

وقد أبانت الآية طريقهم في الغواية والإغواء، فقد جاء في كتبهم (٢):

١ - التحذير من أنبياء كذبة يبعثون فيهم، وتكون لهم عجائب وأفاعيل تدهش الألباب.

٢ - أن الله سبحانه يبعث فيهم نبيا من ولد إسماعيل، يقيم به أمة، وأنه يكون من ولد الجارية هاجر، وبيّن علامات واضحة له لا لبس فيها ولا اشتباه، فأخذ الأحبار والرهبان يلبسّون على العامّة الحقّ بالباطل، ويوهمونهم أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم من أولئك الأنبياء الكذبة، الذين وصفوا في التوراة بالكذب، ويكتمون ما يعرفونه من أوصاف لا تنطبق إلا عليه، وما يعرفونه من نعوت الأنبياء الصادقين. وسبيل دعوتهم إلى الله أنهم كانوا يصدونهم عن السبيل القويم، بعدم الإيمان بالنبي صلّى الله عليه وسلّم،


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.