للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بزيادات يتحدّثونها، وتقاليد يبتدعونها بضروب من التأويل، والاستنباط من كلام بعض سلفهم وأفعالهم، ويحكّمونها في الدين، ويحتجّون بأن الأقدمين كانوا أعلم بكلام الأنبياء وأشدّ اتباعا لهم، فعلى من بعدهم أنّ يأخذ بكلامهم دون كلام الأنبياء الذي يصعب علينا فهمه بزعمهم، لكن (١) هذه المعذرة لم يتقبّلها الله منهم، ونسب إليهم اللبس والكتمان للحق الذي في التوراة إلى يومنا هذا، كما لم يتقبّل ممن بعدهم من العلماء في أيّ شريعة ودين، أن يتركوا كتابه ويتبعوا كلام العلماء بتلك الحجة عينها، فكل ما يعلم من كتاب الله، يجب علينا أن نعمل به، وما لا يعلم يسأل عنه أهل الذكر، ومتى فهمناه وعلمناه علمنا به. قال في «التيسير» ويجوز صرف الخطاب إلى المسلمين، وإلى كل صنف منهم، وبيانه أن يقال: أيّها السلاطين! لا تخلطوا العدل بالجور، ويا أيها القضاة! لا تخلطوا الحكم بالرشوة، وهكذا كل فريق. وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل، فهي تتناول من فعل فعلهم، فمن أخذ رشوة على تغيير حق وإبطاله، أو امتنع من تعليم ما وجب عليه، أو أداء ما علمه وقد تعيّن عليه أداؤه، حتى يأخذ عليه أجرا، فقد دخل في حكم الآية. اه.

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعلّم علما لا يبتغي به وجه الله، لا يتعلّمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة»؛ أي: ريحها.

فمن (٢) رهب وصاحب التقوى، لا يأخذ على علمه عوضا، ولا على وصيته ونصيحته صفدا، بل يبين الحق ويصدع به، ولا يلحقه في ذلك خوف ولا فزع.

وفي الحديث: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمنعن أحدكم هيبة أحد أن يقول أو يقوم بالحق حيث كان»، وفي التنزيل {يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} قال القرطبي: وقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، والعلم لهذه الآية {وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} والفتوى في هذا الزمان، على جواز الاستئجار لتعليم القرآن، والفقه، وغيره؛ لئلا يضيع. وفي الحديث «إن أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله». والآية في حق من تعيّن عليه التعليم، فأبى حتى يأخذ عليه


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.