للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فاعل ذلك، والمعنى حينئذٍ: أن لكل صاحب ملة قبلةٌ، الله موليها إياه؛ أي: أمر بأن يستقبلها، اتبعها من اتبعها، وتركها من تركها؛ يعني: شارعها ومكلِّفهم بها.

وقرأ الجمهور (١): {وَلِكُلٍّ} منوَّنًا: {وِجْهَةٌ} مرفوعًا، {هُوَ مُوَلِّيهَا} بكسر اللام اسم فاعل.

وفي قراءة عبد الله بن عامر النخعي {هوَ مُوَلَّاها} بفتح اللام اسم مفعول، وهي قراءة ابن عباس، وأبي جعفر محمد بن علي الباقر، والمعنى: {هو}؛ أي: كل قوم مولَّى لتلك الجهة؛ أي: مأمور باستقبالها، وقرىء شاذًا: {ولكلِّ وجهةٍ} بالإضافة؛ أي: بخفض اللام من {كل} بلا تنوين، {وجهةٍ} بالخفضِ منونًا على الإضافة، قال في "الكشاف": والمعنى عليها: وكل وجهة وقبلة الله موليها، فزيدت اللام لتقدم المفعول، كقولك لزيد ضربت. وقال ابن جرير: هي خطأ لا سيما وهي معزوة إلى ابن عامر أحد القراء السبعة، وقرأ أبي: (ولكل قبلة) وهي قراءة شاذة، وقرأ عبد الله: {ولكل جعلنا قبلة} وهي قراءة شاذة أيضًا.

{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}؛ أي: فبادروا - يا أمة محمد - إلى الطاعات والأعمال الصالحة، وقبول أوامرها، من التوجه إلى القبلة وغيره مما تنال به سعادة الدارين. {أَيْنَ مَا تَكُونُوا}؛ أي: في أي موضع تكونوا من برٍّ أو بحرٍ أنتم وأعداءكم من موافق ومخالف، مجتمع الأجزاء ومفترقها {يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا}؛ أي: يبعثكم الله جميعًا، ويحشركم إلى المحشر يوم القيامة للمجازاة، فيجازيكم على أعمالكم خيرًا أو شرًّا، أو (٢) أينما تكونوا من أعماق الأرض، وقلل الجبال يقبض أرواحكم، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة .. يأت بكم الله جميعًا، ويجعل صلواتكم كأنّها إلى جهةٍ واحدة {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه مِنْ جَمْعِكم وغيره {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر يقدر على الإعادة بعد الموت، والإثابة لأهل الطاعة، والعقاب لمستحق العقوبة.


(١) شوكاني.
(٢) البحر المحيط.