وهؤلاء الرجال هم طائفة من الموحدين قصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار جعلوا هناك حتى يقضى بين الناس، فبينما هم كذلك إذ يطلع عليهم ربهم فيقول لهم:«قوموا ادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم». أخرجه أبو الشيخ والبيهقي وغيرهما عن حذيفة، وفي رواية عنه:«يجمع الله الناس، ثم يقول لأصحاب الأعراف: ما تنتظرون؟ قالوا: ننتظر أمرك، فيقال: إن حسناتكم تجاوزن بكم النار أن تدخلوها، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم، فادخلوها بمغفرتي ورحمتي».
وقيل (١): هؤلاء الرجال قوم قتلوا في سبيل الله، وهم عصاة لآبائهم، وقيل: هم قوم كان فيهم عجب، وقيل: هم قوم كان عليهم دين، فهذه الأقوال تدل على أن أصحاب الأعراف أقوام يكونون في الدرجة النازلة من أهل الثواب، وقيل: إنهم الأشراف من أهل الثواب، وقيل: إنهم الأنبياء، وإنما أجلسهم الله على ذلك المكان العالي تمييزا لهم على سائر أهل القيامة، وقيل: إنهم الشهداء وهم شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة، وعلى أهل الكفر والمعصية، فهم يعرفون أن أهل الثواب وصلوا إلى الدرجات، وأهل العقاب وصلوا إلى الدركات، كما قال تعالى:{يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ}.
{وَنادَوْا}؛ أي: ونادى رجال الأعراف {أَصْحابَ الْجَنَّةِ} حين رأوهم قائلين لهم {أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} يا أهل الجنة، وهذا السلام إما تحية ودعاء، وإما إخبار بالسلامة من المكروه والنجاة من العذاب؛ أي سلمتم من الآفات، وحصل لكم الأمن والسلام، هذا إن كان قبل دخول الجنة. فإن كان بعدها فهي تحية خالصة تدخل في عموم قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا (٢٦)} وجملة قوله: {لَمْ يَدْخُلُوها} حال من فاعل {نادَوْا}{وَهُمْ يَطْمَعُونَ} حال