للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تحزنهم تلك الحسنة {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ}؛ أي: مضرة كمرض، وفقر، وانهزام من عدو، وقتل، ونهب، وغارة وحدوث اختلاف بين جماعتكم {يَفْرَحُوا بِهَا}؛ أي: بإصابتها إياكم؛ أي: يسر المنافقون من اليهود، وغيرهم بتلك المصيبة التي أصابتكم، فإنهم متناهون في عداوتكم فاجتنبوهم. فالحسنة (١) هنا: ما يسر من رخاءٍ، وخصبٍ، ونصرة، وغنيمة، ونحو ذلك من المنافع، والسيئة ضد ذلك.

قال (٢) قتادة في بيان ذلك: فإذا رأوا من أهل الإِسلام ألفة وجماعةً وظهورًا على عدوهم غاظهم ذلك، وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإِسلام فرقةً واختلافًا، أو أصيب طرف من أطراف بلاد المسلمين سرهم ذلك، وأعجبوا به، وابتهجوا، وهم كلما خرج منهم قرن، أكذب الله أحدوثته، وأوطأ محلته، وأبطل حجته، وأظهر عورته، وذلك قضاء الله تعالى فيمن مضى منهم، وفيمن بقي إلى يوم القيامة انتهى.

{وَإِنْ تَصْبِرُوا} على عداوتهم، وإذايتهم، وقيل: إن تصبروا على مشاق التكاليف فتمتثلوا الأوامر {وَتَتَّقُوا}؛ أي: تخافوا موالاتهم، وتتوكلوا في أموركم على الله أو تتقوا كل ما نهيتم عنه وحظر عليكم، ومن ذلك اتخاذ الكافرين بطانة {لَا يَضُرُّكُمْ} أيها المؤمنون، ولا ينقصكم {كَيْدُهُمْ}؛ أي: كيد الكفار ومكرهم وحيلتهم التي دبروها لأجلكم {شَيْئًا} من الضرر بفضل الله عَزَّ وَجَلَّ، وحفظه الموعود للصابرين، والمتقين؛ لأنكم قد وفيتم الله بعهد العبودية فهو يفي لكم بحق الربوبية، ويحفظكم من الآفات، والمخافات كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} والكيد: احتيال الشخص ليقع غيره في مكروه. قال بعض الحكماء: إذا أردت أن تكبت من يحسدك، فاجتهد في اكتساب الفضائل. وقد جرت سنة الله في القرآن أن يذكر الصبر في كل مقامٍ يشق على النفس احتماله، ولا شك أن حبس الإنسان سره عن وديده، وعشيره، ومعامله، وقريبه، مما يشق عليه، فإن من لذات النفوس أن تفضي بما


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.