ولمَّا نهى المؤمنين عن اتخاذ بطانة من دونهم، من خلطائهم، وعشرائهم، وحلفائهم، لما بدا منهم من البغضاء والحسد، حسن أن يذكرهم بالصبر على هذا التكليف الشاق عليهم، واتقاء ما يجب اتقاءه للسلامة من عواقب كيدهم.
وفي الآية عبرة للمسلمين في معاملة الأعداء؛ فإنَّ الله أمر المؤمنين بالصبر على عداوة أولئك المبغضين الكافرين، واتقاءِ شرهم، ولم يأمرهم بمقابلة الشر بمثله؛ إذ من دأب القرآن أن لا يأمر إلا بالمحبة، والخير، ودفع السيئة بالحسنة كما قال:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
فإن تعذر تحويل العدو إلى محب بدفع سيئاته بما هو أحسن منها .. جاز دفع السيئة بمثلها من غير بغي، كما فعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مع بني النضير؛ فإنه حالفهم، ووادَّهم فنكثوا العهد، وخانوا، وأعانوا عليه عدوه من قريش وسائر العرب، وحاولوا قتله، فلم يكن هناك وسيلةٌ لعلاجهم إلا قتالهم وإجلاؤهم من ديارهم.
وقرأ الجمهور (١){إِنْ تَمْسَسْكُمْ} بالتاء، وقرأ السلمي بالياء معجمة من أسفل؛ لأن تأنيث الحسنة مجازيٌّ وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة في رواية عنه:{لَا يَضِرْكُمْ} بفتح الياء وكسر الضاد، وسكون الراء من ضار يَضِير، ويقال: ضار يضور، وكلاهما بمعنى ضَرَّ. وقرأ الكوفيون، وابن عامر {لا يضُرُّكم} بضم الضاد والراء المشددة على الجزم بسكون مقدر للإتْباع من ضر يضر. وقرأ عاصم فيما روى أبو زيد عن المفضل عنه بضم الضاد، وفتح الراء المشددة للتخفيف، وهي أحسن من قراءة ضم الراء نحو لم يرد زيد. والفتح: هو الكثير المستعمل. وقرأ الضحاك بضم الضاد، وكسر الراء المشددة على أصل التقاء الساكنين. وقرأ أُبي {لا يضرركم} بفك الإدغام، وهي لغة أهل الحجاز: وعليها في الآية {إِنْ تَمْسَسْكُمْ} ولغة سائر العرب الإدغام في هذا كله.
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى: {بِمَا يَعْمَلُونَ} بـ {الياء} باتفاق القراء