للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: لمزيد التأكيد: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ}؛ أي: يطلبون الاذن منك، رعاية للأدب، وتعظيمًا لهذا الأمر. {أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} حق الإيمان لا غير المستأذنين، وهذا أدب على نهج سابقه، فكما أرشدهم من قبل إلى الاستئذان، حين الدخول، أمرهم بالاستئذان حين الانصراف، ولا سيما إذا كانوا في أمر جامع. روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس، فليسلم، فإذا أراد أن يقوم، فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة".

ولما ذكر ما يلزم المؤمن، من الاستئذان، أعقبه بما يفعله الرسول حينئذٍ، فقال: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ} الفاء فيه: فاء الفصيحة؛ أي: إذا عرفت يا محمد، أن الكاملين في الإيمان هم الجامعون بين الإيمان بهما، وبين الاستئذان .. فأقول لك: إذا طلبوا منك الإذن في الانصراف والذهاب {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} أي: لبعض أمرهم المهم، أو خطبهم المسلم.

والشأن (١) الحال والأمر، ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور، كما في "المفردات". ولم يقل لشؤونهم بل قيد بالبعض تغليظًا عليهم في أمر الذهاب عن مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع العذر المبسوط ومساس الحاجة.

{فَأْذَنْ} يا محمد، في الانصراف والذهب عن مجلسك، لحاجة مهمة {لِمَنْ شِئْتَ} الإذن له {مِنْهُمْ} وأمنع من شئت، على حسب ما تقتضيه المصلحة التي تراها.

والمعنى: إن شئت فأذن، وإن شئت فلا تأذن. فالأمر مفوض إليك؛ أي: فإذا استأذنوك لبعض ما يعرض لهم من مهام أمورهم، فأذن لمن شئت منهم أن ينصرف لقضاء ما عرض له بحسب ما تقتضيه المصلحة التي تراها، كما وقع لعمر - رضي الله عنه - حين خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، حيث استأذن في الرجوع إلى أهله، فأذن له - صلى الله عليه وسلم - وقال له: "ارجع فلست بمنافق".


(١) روح البيان.