للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ}؛ أي: مالكي، ومالككم، يعني: أنكم وآلهتكم لا تقدرون على ضرري، فإني متوكل على الله القادر القوي، وهو مالكي ومالككم ومالك كل شيء إذ {مَا مِنْ دَابَّةٍ} ونسمة تَدبُّ وتتحرك على الأرض {إِلَّا هُوَ} سبحانه وتعالى {آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}؛ أي: إلا وهو مالك لها، قَادر عليها، يصرفها على ما يريد بها، والناصية عند العرب (١): مَنْبَتُ الشعر في مقدم الرأس، ويُسمّى الشَّعْرُ النابت هناك أيضًا ناصية، تسميةً له باسم منبته، والأَخذ بناصية الإنسان عبارةٌ عن قهره، والغلبة عليه، وكونه في قبضة الآخذ بحيثُ يَقْدِرُ على التصرف فيه كيف يشاء، والعربُ إذا وَصفوا إنسانًا بالذلة والخُضوع لرجل .. قالوا: ما ناصيته إلا بيدِ فلان؛ أي: إنه مُطيع له؛ لأنَّ كل من أخذْتَ بناصيته فقد قهَرْتَه، وأَخْذُ الله سبحانه وتعالى بناصية الخلائق استعارة تمثيليةٌ لنفاذ قدرته فيهم.

والغرض من هذا الكلام: الدلالة على عظمته تعالى وجَلالة شأنه وكبرياء سلطانه، وباهر قدرته، وأنَّ كُلَّ مقدور، وإن عَظُم وجَلَّ في قوته وجثته، فهو مستصغرٌ إلى جنب قدرته، مقهور تحت قهره وسلطانه، منقاد لتكوينه فيه ما يشاء غَيْرُ ممتنع عليه {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ أي: إنه سبحانه وتعالى، وإن كان قادرًا على عباده، لكنَّه لا يظلمهم، ولا يفعلُ بهم إلا ما هو الحق والعدل في ملكه، لا يفوته ظالم، ولا يضيع عنده معتصم به.

وقولُ هود عليه السلام: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا} إلى قوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يتضمَّن جملةَ أُمورٍ (٢):

١ - البراءة من إشراكهم الذي اقْتَرَفُوه، ولا حقيقةَ له.

٢ - إشهاد الله على ذلك ثِقَةً منه بأنه على بينةٍ من ربه.

٣ - إشهادهم أيضًا على ذلك إعلامًا منه بعدم مبالاته بهم وبما يزعمون من قدرة شركائهم على إيذائه وضرره.

٤ - طَلَبهُ منهم أن يجمعوا كُلُّهم على الكيد له، والإيقاع به بلا إمهال، ولا


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.