وسبب هذا الاختلاف أن قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ} يصدق عليه أنه لا إثم عليه في فعله، فدخل تحته الواجب والمندوب والمباح، فظاهر هذه الآية لا يدل على أن السعي بين الصفا والمروة واجب، أو غير واجب. فحجة الشافعي ومن وافقه في أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة .. ما روى الشافعي وغيره عن حبيبة بنت أبي تَجْرَأَةَ قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه، وهو وراءهم يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي، يدور به إزاره، وهو يقول:"اسعوا فإن الله عَزَّ وَجَلَّ كتب عليكم السعي" ويؤيد ذلك حديث: "خذوا عني مناسككم".
وقرأ الجمهور (١): {أَنْ يَطَّوَّفَ} أصله: يتطوف، فأدغمت التاء في الطاء، ماضيه تطوف، وقرأ أنس، وابن عباس، وابن سيرين، وشُهِر {أن لا} وكذلك في مصحف أُبي، وعبد الله، وخرج ذلك على زيادة {لا} نظير: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} فتتحد معنى القراءتين، وقرأ أبو حمزة:{أن يطُوف بهما} مِن طاف، يطوف الثلاثي، وهي قراءة ظاهرة، وقرأ ابن عباس، وأبو السمال {يَطَّاف بهما} أصله يطتوف بوزن يفتعل، وماضيه اطتوف بوزن افتعل، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، وأدغمت الطاء في التاء بعد قلب التاء طاء، فصارا اطّاف، وجاء مضارعه يطّاف، ومصدره اطيافًا وكل القراءات المذكورة شاذة عدا قراءة الجمهور.
{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}؛ أي: تبرع وزاد على ما فرض الله عليه من حج وعمرة تطوعًا ونفلًا، فطاف بين الصفا والمروة في ضمن حج تطوع وعمرته، لا استقلالًا؛ لأن السعي لا يتنفل به. {فَإِنَّ اللهَ} سبحانه وتعالى {شَاكِرٌ} له على طاعته، وقابل منه، ومجازٍ له عليها. {عَلِيمٌ} بنيته، ويعلم قدر الجزاء، فلا يبخس المستحق حقه، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.