يحسبن البخلاء أن جمعهم المال، وبخلهم بإنفاقه ينفعهم بل هو مضرةٌ عليهم في دينهم ودنياهم. وأما على قراءة من قرأ بالتاء الفوقانية، فالفعل مسند إلى ضمير النبي - صلى الله عليه وسلم - والمفعول الأول محذوف أيضًا، والمعنى: ولا تحسبن يا محمَّد بخل الذين يبخلون هو خيرًا لهم، بل هو شر، وضرر لهم.
وحاصل المعنى: ولا يظنن أحدٌ أن بخل الباخلين بما أعطاهم من فضله ونعمه هو خيرًا لهم؛ لأنهم مطالبون بشكران النعم، والبخل بها كفرانٌ، لا ينبغي أن يصدر من عاقل، وقال القرطبي: والبخل في اللغة: أن يمنع الإنسان الحق الواجب عليه، فأما من منع ما لا يجب عليه .. فليس ببخيل.
وقال المراغي: والمراد من البخل بالفضل البخل به في أداء الزكاة المفروضة، وفي الأحوال التي يتعين فيها بذل المال كالإنفاق لصد عدو يجتاح البلاد، ويهدد استقلالها، ويصبح أهلها أذلة بعد أن كانوا أعزةً أو إنقاذ شخصٍ من مخالب الموت جوعًا.
ففي كل من هذه الأحوال يجب بذل المال؛ لأنه يجري مجرى دفع الضرر عن النفس.
وليس الذم والوعيد على البخل بما يملك الإنسان من فضل ربه، إذ أن الله أباح لنا الطيبات؛ لنستمتع بها، ولأن العقل قاضٍ بأن الله لا يكلف الناس، ببذل كل ما يكسبون، ويبقون عراةً جائعين، ومن ثم قال في حق المؤمنين المهتدين:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
وجاءت الآية بطريق التعميم ترغيبًا في بذل المال بدون تحديد، ولا تعيين، ووكل أمر ذلك إلى اجتهاد المؤمن الذي يتبع عاطفة الإيمان التي في قلبه، وما تحدثه في النفس من بذل الواجب، والزيادة عليه إذا هو تذكر أن في ماله حقًّا للسائل والمحروم. وقرأ حمزة {تحسبن} بالتاء الفوقانية، وقرأ باقي السبعة بالياء كما مرّ. وقرأ الأعمش بإسقاط {هو} من قوله: {هُوَ خَيْرًا}.
وقوله:{بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ}، أي: هو شر عظيم لهم، وقد نفى أوَّلًا أن يكون خيرًا، ثم أثبت كونه شرًّا؛ لأن المانع للحق إنما يمنعه؛ لأنه يحسب أن في