للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إِذا مَا القَلْبُ أُشْرِبَ حُبَّ شيءٍ ... فَلاَ تَأْمَلْ لَهُ عَنْهُ انْصِرَافا

وقال ابن عرفة: يقال: أُشرب قلْبُه حبَّ كذا؛ أي: حلَّ محلَّ الشراب، ومازَجَهُ. انتهى كلامه. وإنّما عبَّر عن حبّ العجل بالشرب دون الأكل؛ لأنَّ شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها، ولهذا قال بعضهم:

جَرَى حُبُّها مَجْرَى دَمِي في مَفَاصِلِي ... فَأصْبَحَ لِي عَنْ كُلِّ شُغْلٍ بهَا شُغْلُ

وأمّا الطعام (١)، فقالُوا: هو مجاور لها غير متغلغلٍ فيها، ولا يصل إلى القلب منه إلّا يسيرٌ، وقال:

تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمَةَ في فُؤَادِيْ ... فَبَادِيْه مَعَ الخَافِي يَسِيرُ

والظاهر: أنَّ الباء في قوله: {بِكُفْرِهِمْ} للسبب؛ أي: الحامل لهم على عبادة العجل هو كفرهم السابق لهم في مصر. وقيل ويجوز أن تكون الباء بمعنى مع متعلِّقة بمحذوف وقع حالًا؛ أي: وأشربوا في قلوبهم حبَّ العجل حال كونه مصحوبًا بكفرهم السابق من الوثنية {قُلْ} لهم يا محمد! توبيخًا (٢) لحاضري اليهود، إثر ما بُيِّنَ أحوال رؤسائهم الذين بهم يقتدون في كُلِّ ما يأتون ويذرون {بِئْسَمَا} أي: بئس الشيء شيئًا {يَأْمُرُكُمْ بِهِ}، أي: بذلك الشيء {إِيمَانُكُمْ} بما أنزل عليكم من التوراة حسبما تدَّعون، والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: ما ذكر من قولهم: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} وعبادتهم العجل، وفي إسناد الأمر إلى الإيمان تهكّم بهم، وإضافة الإيمان إليهم؛ للإيذان بأنّه ليس بإيمانٍ حقيقةً، كما ينبيء عنه قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} بالتوراة، إذ لم يُسوِّغ الإيمان بها مثلَ تلك القبائح، فلستم بمؤمنين بها قطعًا، فقد علم أن من ادَّعى أنّه مؤمن ينبغي أن يكون فعله مصدِّقًا لقوله: وإلّا لم يكن مؤمنًا؛ أي: بئس الشيء شيئًا يأمركم به إيمانكم بما أنزل عليكم من التوراة، والمخصوص بالذمّ قولهم: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}، وعبادتُهم العجل، والمعنى: بئس الإيمان إيمانٌ


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.