وعلى القول بأنه من كلام يوسف عليه السلام، فمعنى {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}؛ أي:(١) لا أنزهها عن السوء، ولا أشهد لها بالبراءة الكلية. قاله تواضعًا لله تعالى، وهضمًا لنفسه الكريمة، لا تزكية لها وعجبًا بحاله في الأمانة، ومن هذا القبيل قوله عليه السلام:"أنا سيد ولد آدم ولا فخر" أو تحدثًا بنعمة الله تعالى عليه في توفيقه وعصمته؛ أي: لا أنزهها عن السوء من حيث هي هي، ولا أسند هذه الفضيلة إليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من الله تعالى. واللام في قوله:{إِنَّ النَّفْسَ} للجنس؛ أي: إن جنس النفوس التي من جملتها نفسي في حدّ ذاتها {لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} تأمر بالقبائح والمعاصي؛ أي: لأنها أشد استلذاذًا بالباطل والشهوات، وأميل إلى أنواع المنكرات، ولولا ذلك .. لما صارت نفوس أكثر الخلق مسخرة لشهواتهم في استنباط الحيل؛ لقضاء الشهوات وما صدرت منها الشرور أكثر.
ومن ما هنا وجب القول بأن كل من كان أوفر عقلًا، وأجل قدرًا عند الله .. كان أبصر بعيوب نفسه، ومن كان أبصر بعيوبها .. كان أعظم اتهامًا لنفسه، وأقل إعجابًا. {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}؛ أي: إلا نفسًا رحمها ربي من النفوس التي يعصمها من الوقوع في المهالك، ومن جملتها نفسي ونفوس سائر الأنبياء ونفوس الملائكة. أما الملائكة فإنه لم تركَّب فيهم الشهوة. وأما الأنبياء فهم وإن ركبت هي فيهم، لكنهم محفوظون بتأييد الله تعالى معصومون. فـ {مَا} موصولة بمعنى من، وفيه إشارة إلى أن النفس من حيث هي كالبهائم. والاستثناء من {النَّفْسَ}، أو من الضمير المستتر في {أمارة} كأنه قيل: إن النفس لأمارة هي بالسوء إلا نفسًا رحمها ربي، فإنها لا تأمر بالسوء، أو بمعنى الوقت؛ أي: هي أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت رحمة ربي وعصمته لها، ودل على عموم الأوقات صيغة المبالغة في أمارة. يقال في اللغة: أمرت النفس بشيء فهي آمرة، وإذا أكثرت