للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الوفاء بالعهود (١) والعقود حفظ كيان المجتمع من أن ينحل عقده، كما أن الغدر والإخلاف فيها هادم للنظام مفسد للعمران، فما من أمة فقدت الوفاء بالعهد - وهو ركن الأمانة، وقوام الصداق - إلا حل بها العقاب الإلهي، فانتزعت الثقة من بين أفرادها حتى بين الأهل والعيال، فيعيشون متخاذلين، وكأنهم وحوش مفترسة ينتظر كل واحد وثبة الآخر عليه إذا أمكن يده أن تصل إليه، ومن ثم يضطر أفرادها إلى الاستيثاق في عقودهم بكلِّ ما يقدرون عليه، ويحترس كل منهم من غدر الآخر، فلا يكون هناك تعاون ولا تناصر، بل تباغض وتحاسد، ولا سيما بين الأقارب، ولو شمل الناس الوفاء .. لسلموا من هذا البلاء.

وفي مصحف عبد الله (٢): {والموفين} نصبًا على المدح وهي قراءة شاذ شذوذًا، وقرأ الجحدري {بعهودهم} على الجمع، {وَالصَّابِرِينَ}: مفعول لفعل محذوف؛ تقديره: وأمدح الصابرين. {فِي الْبَأْسَاءِ}؛ أي: عند الشدة والفقر والفاقة. {وَالضَّرَّاءِ}؛ أي: وعند التفسير من مرض، وفقد أهل وولد ومال. {وَحِينَ الْبَأْسِ}؛ أي: وفي وقت شدة القتال في سبيل الله، وكثرة الضرب والطعان، ومنازلة الأقران.

إنما خص هذه المواطن الثلاثة مع أن الصبر محمود في جميع الأحوال؛ لأن من صبر فيها .. كان في غيرها أصبر، وهذا من باب الترقي في الصبر من الشديد إلى أشد، فذكر أولًا الصبر على الفقر، ثم الصبر على المرض؛ وهو أشد من الفقر، ثم الصبر على القتال، وهو أشد من الفقر والمرض.

وقرأ الحسن، والأعمش، ويعقوب شذوذًا: {والصابرون} عطفًا على {الموفون}، وعن البراء رضي الله عنه قال: كنا والله إذا احمر البأس .. نتَّقي به، وإن الشجاع منّا الذي يُحاذي به؛ يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - متفق عليه، قوله: احمر البأس؛ أي: اشتد الحرب، ونتقي به؛ أي: نجعله وقاية لنا من العدو، {أُولَئِكَ}


(١) المراغي.
(٢) المراغي.