للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لكانوا في معايشهم من خير الأمم، ولدخل كثير من الناس في الإِسلام؛ لما يرون فيه من جميل العناية بالفقراء، وأن لهم حقوقًا في أموال الأغنياء، فتتوثق الصلة بين الطوائف المختلفة من المسلمين.

وسابعها: إقامة الصلاة وأداء الزكاة، فاليهود كانوا يمنعون الناس منهما، وذكره بقوله: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} المفروضة؛ أي: أداها في أوقاتها المحدودة لها. {وَآتَى الزَّكَاةَ}؛ أي: وأعطى الزكاة المفروضة في مصارفها المبينة شرعًا، وقوله: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} معطوف على {آمَنَ} على كونها صلة لـ {مَنْ}؛ أي: ولكن البرَّ برُّ من آمن بالله، وبر من أقام الصلاة وآتى الزكاة.

والمرادُ بإقامة الصلاة: أداؤها على أقوم وجه، ولا يستحق ذلك بأداء أفعال الصلاة وأقوالها فحسب، بل إنما يكون ذلك بوجود سرِّ الصلاة وروحها، ومن آثاره تحلي المصلي بالأخلاق الفاضلة، وتباعده من الرذائل، فلا يفعل فاحشةً ولا منكرًا.

وقلما تجيء (١) الصلاة في القرآن الكريم إلا وهي مقترنة بالزكاة، وذلك لأن الصلاة تهذب الروح، والمال قرين الروح، فبذله ركن عظيم من أعمال البر، ومن ثم أجمع الصحابة على محاربة مانعي الزكاة من العرب بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن مانعها يهدم ركنًا من أركان الإِسلام، وينقض أساس الإيمان، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه سبعين مرة.

وثامنها: الوفاء بالعهد، واليهود نقضوا العهد، وذكره بقوله: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ} معطوف على {مَنْ آمَنَ} على كونه خبر {لكِنِ}؛ أي: ولكن البرَّ المؤمنون بالله، واليوم الآخر، والموفون بعهدهم؛ أي: ولكن البرَّ برُّ المؤمنين بالله، وبر الموفين بعهدهم؛ أي: المتمِّين بعهدهم فيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين الناس. {إذا عَاهَدُوا} الله أو الناس، يعني: إذا وعدوا أنجزوا، وإذا نذروا أوفوا، وإذا حلفوا برّوا في أيمانهم، وإذا قالوا صدقوا في أقوالهم، وإذا ائتمنوا أدوا.


(١) البحر المحيط.