للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمعنى في. والسراب هو شبه (١) ماء يرى نصف النهار، عند شدة الحر في البراري، يظنه من رآه ماء. فإذا قرب منه، لم ير شيئًا، وسمي سرابًا؛ لأنه يتسرب؛ أي: يجرى كالماء. ويسمى آلًا أيضًا. قال الشاعر:

إِذَا أَنَا كَالَّذِيْ يَجْرِيْ لِوِرْدٍ ... إِلَى آلٍ فَلَمْ يُدْرِكْ بِلاَلاَ

والقيعة: جمع قاع، كجيرة جمع جار، وهي الأرض المنبسطة المستوية، قد انفجرت عنها الجبال.

{يَحْسَبُهُ}؛ أي: يتوهمه ويظنه {الظَّمْآنُ} أي: العطشان. وكذا كل من رآه {مَاءً} حقيقةً، وتخصيص الحسبان بالظمآن مع شموله لكل من يراه كائنًا من كان من العطشان، والريان لتكميل التشبيه بتحقيق شركة طرفيه في وجه الشبه. وهو الابتداء المطمع والانتهاء المؤيسى. {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ}؛ أي: جاء ما توهمه ماءً، وعلق به رجاءه ليشرب منه، فهو غاية لمحذوف؛ أي: يستمر سائرًا إليه حتى إذا جاءه. {لَمْ يَجِدْهُ}؛ أي: لم يجد ما حسبه ماء. {شَيْئًا} أصلًا، لا متحققًا ولا متوهمًا، كما يراه من قبل، فضلًا عن وجدان ماءٍ فيزداد عطشًا.

كذلك الكافر، يحسب أن عمله كصدقة ينفعه، حتى إذا مات وقدم على ربه، لم يجد عمله؛ أي: لم ينفعه. {وَوَجَدَ اللَّهَ} سبحانه؛ أي: وجد وعد الله بالجزاء على عمله، والمعنى: وجد عذاب الله له، عند مجيئه.

{فَوَفَّاهُ}؛ أي: أعطاه وافيًا كاملًا {حِسَابَهُ}؛ أي: حساب عمله وجزاءه. يعني: ظهر له بعد ذلك، من سوء الحال، ما لا قدر عنده، للخيبة والقنوط أصلًا. كمن يجيء إلى باب السلطان للصلة، فيضرب ضربًا وجيعًا.

والحاصل (٢): أنه شبه حال الكافر من حيث اعتقاده، أن عمله الصالح ينفعه في الآخرة، فإذا جاء يوم القيامة، لم يجد الثواب الذي كان يظنه، بل وجد العقاب العظيم، والعذاب الأليم، فتغير ظن النفع العظيم إلى تيقن الضُّر العظيم.


(١) الخازن.
(٢) الصاوي.