للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فعظمت حسرته، بحال الظمآن الذي اشتدت حاجته إلى الماء، فإذا شاهد السراب تعلق به، فإذا جاءه لم يجده شيئًا، وإفراد (١) الضمير الراجع إلى الذين كفروا في قوله: {فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} لإرادة الجنس، أو لإرادة كل واحد منهم. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {سَرِيعُ الْحِسَابِ} لا يشغله حساب عن حساب؛ لأنه عالم بجميع المعلومات، فلا يشق عليه الحساب.

وقرأ مسلمة بن محارب (٢): {بقيعاه} بهاء مدورة. كما يقال: رجل عزهاه. وروي أنه قرأ {بقيعات} بتاء مبسوطة. قيل: يجوز أن تكون الألف متولدة من إشباع العين على الأول. وجمع قيعة على الثاني. وروي عن نافع وأبي جعفر وشيبة أنهم قرؤوا {الظمآن} بغير همز. والمشهور عنهم الهمز.

وحال معنى الأية: أنه (٣) سبحانه وتعالى شبه الأعمال الصالحة التي يعملها، من جحدوا توحيد الله وكذبوا بهذا القرآن وبمن جاء به ويظنون أنها تنفعهم عند الله وتنجيهم من عذابه، ثم تخيب في العاقبة آمالهم، ويلقون خلاف ما قدروا بالسراب، يراه من اشتد به العطش، فيحسبه ماء فيطلبه ويظن أنه قد حصل على ما يبغي، حتى إذا جاءه لم يجد شيئًا، هكذا حال الكافرين يحسبون أعمالهم نافعةً منجية لهم من بأس الله، حتى إذا جاءهم العذاب يوم القيامة، لم تنفعهم ولم تغنهم من عقابه، إلا كما ينتفع بالسراب من اشتد ظمؤه، واحتاج إلى ما به يروي غلته.

ثم بين شديد عقابه بقوله تعالى: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}؛ أي: ووجد عقاب الله الذي توعد به الكافرين أمامه، وتحول ما كان يظنه نفعًا عظيمًا إلى ضرر محقق، وتجيؤه الزبابية تعتله وتسوقه إلى جهنم، وتسقيه الحميم والفساق، ونحو الآية قوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣){وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} لا يشغله حساب عبد عن حساب آخر.


(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.