نزول القرآن يزيد الكافر والمنافق مرضا بمعنى: كفرا وشكّا، فينشأ عنه المرض الحسّيّ، كما يزيد المؤمن إيمانا فينشأ عنه البهجة والسرور. قال تعالى:{وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيمانًا ...} الآيات، ويحتمل بما أنزله في حقّهم من فضيحتهم خصوصا بسورة التوبة، فإنّها تسمّى الفاضحة.
والمعنى: فزاد الله غمّهم بما زاد في إعلاء أمره ورفع قدره، وأنّ نفوسهم كانت مؤوفة بالكفر، وسوء الاعتقاد، ومعاداة النبي صلّى الله عليه وسلّم ونحوها، فزاد الله ذلك بأن طبع على قلوبهم؛ لعلمه تعالى بأنّه لا يؤثّر فيها التذكير والإنذار، وبازدياد التكاليف الشرعية، وتكرير الوحي، وتضاعف النصر؛ لأنّهم كلما ازداد التكاليف بنزول الوحي يزدادون كفرا، وقد كان يشقّ عليهم التكلم بالشهادة، فكيف وقد لحقتهم الزيادات، وهي وظائف الطاعات، ثمّ العقوبة على الجنايات، فازدادوا بذلك اضطرابا على اضطراب، وارتيابا على ارتياب، ويزدادون بذلك في الآخرة عذابا على عذاب. قال تعالى:{زِدْناهُمْ عَذابًا فَوْقَ الْعَذابِ}، والمؤمنون لهم في الدنيا ما قال:{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً}، وفي العقبى ما قال:{وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}.
قال القطب العلّامة: أمراض القلب: إمّا متعلّقة بالدين، وهو سوء الاعتقاد والكفر، أو بالأخلاق، وهي إما رذائل فعليّة، كالغلّ والحسد، وإما رذائل انفعاليّة، كالضعف والجبن. فحمل المرض أوّلا على الكفر، ثمّ على الهيئات الفعلية، ثمّ على الهيئات الانفعالية. ويحتمل أن يكون قوله تعالى:{فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} دعاء عليهم.
فإن قلت:(١) فكيف يحمل على الدعاء، والدعاء للعاجز عرفا، والله تعالى منزّه عن العجز؟
قلت: هذا تعليم من الله لعباده أنّه يجوز الدعاء على المنافقين، والطرد لهم؛ لأنّهم شرّ خلق الله؛ لأنّه أعد لهم يوم القيامة الدرك الأسفل من النار، وهذا كقوله تعالى:{قاتَلَهُمُ اللَّهُ}{لَعَنَهُمُ اللَّهُ}.