أو المعنى (١): أن الذين اختلفوا في الكتاب الذي نزله الله لجمع الكلمة على اتباع الحق، وإزالة الاختلاف - وهو القرآن - لفي شقاق بعيد عن سبيل الحق، فلا يهتدون إليه، إذ كل منهم يخالف الآخر بما ابتدعه من رأي ومذهب، وينأى بجانبه عن الآخر، فيكون الشقاق بينهما بعيدًا.
وهذا وعيد آخر بعد الوعيد الأول على كتمان الحق، فالمختلفون لا يسلكون سبيلًا واحدة كما يدعو إلى ذلك القرآن الكريم حيث قال:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} فلا يجوز لأهل الكتاب الإلهي أن يكونوا شِيَعًا ومذاهب شتى كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ في شَيْءٍ} فإذا وجد خلاف في الفهم - وهو ضروري في طباع البشر - وجب التحاكم إلى الكتاب والسنة حتى يزول كما قال:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} وليس هناك عذر للمسلمين في الاختلاف في دينهم حيث جعلوه مذاهب وطرائق شتى؛ لأن الله أوجد لكل مشكل مخرجًا على أنّ ما تختلف فيه الأفهام لا يقتضى الشقاق والنزاع، بل يسهل على جماعة المسلمين من أهل العلم أن ينظروا فيما اختلفوا فيه، وما يرون أنه الراجح يعتمدون عليه إذا تعلق بمصلحة الأمة والأحكام المشتركة بينها.
الإعراب
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا في الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}.
{يَا أَيُّهَا}: {يا}: حرف نداء، {أيّ}: منادى نكرة مقصودة، {ها}: حرف تنبيه زائد زيدت تعويضًا عما فات؛ أي: من الإضافة. {النَّاسُ}: صفة لـ {أيّ} تابع للفظه، وجملة النداء مستأنفة. {كُلُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {مِمَّا}: جار ومجرور متعلق بـ {كُلُوا}، أو بمحذوف حال من {حَلَالًا}؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، فأعربت حالًا. {فِي الْأَرْضِ}: جار ومجرور صلة لـ {مَا}، أو صفة لها. {حَلَالًا}: مفعول به