للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تسمى دينًا، كما مرَّ لك {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ}؛ أي: وعزّتي وجلالي، لقد اصطفينا إبراهيم واخترناه {فِي الدُّنْيَا} من بين سائر الخلق، للرسالة والخلَّة، وعرَّفناه الملة التي هي جامعة للتوحيد، والعدل، والشرائع {وَإِنَّهُ}؛ أي: إنّ إبراهيم {فِي الْآخِرَةِ}؛ أي: في اليوم الآخر {لَمِنَ الصَّالِحِينَ}؛ أي: لمن الفائزين بالرضا والكرامة مع الأنبياء، والمرسلين، وسائر عباد الله الصالحين، ففيه بيان (١) لخطأ من رغب عن ملَّته؛ لأنَّ من جمع كرامة الدارين لم يكن أحدٌ يرغب عن طريقته إلا من سفيه.

وقوله: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ} متعلق (٢) بقوله: {لَمِنَ الصَّالِحِينَ}؛ أي: لمن المشهود لهم بالثبات على الاستقامة، والخير، والصلاح، فمن كان صفوة العباد في الدنيا، مشهودًا له في الآخرة بالصلاح، كان حقيقًا بالاتباع، لا يرغب عن مِلَّتَهِ إلّا سفيهٌ؛ أي: في أصل الخلقة، أو متسفِّهٌ يتكلَّف السَّفاهة بمباشرة أفعال السفهاء باختياره، فيذلُّ نفسه بالجهل، والإعراض عن النظر، والتأمُّل، وفي قوله: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} بشارةٌ عظيمةٌ له في الدنيا بصلاح الخاتمة، ووعد له بذلك، وكم من صالحٍ في أوَّل حاله ذهب صلاحه في ماله، وكان في

الآخرة لعذابه، ونكاله، كبلعم بن باعوراء، وبرصيصا، وقارون. والمعنى (٣): أي: إنّ ملتكم هي ملة أبيكم إبراهيم الذي إليه تنسبون، وبه تفخرون، فكيف ترغبون وتحتقرون عقولكم، وتدعون أولياء من دون الله لا يملكون لكم ضرًّا ولا نفعًا؟! ولقد اجتبيناه من بين خلقنا، وجعلنا في ذريته أئمةً يهدون بأمرنا، وجعلناه في الآخرة من المشهود لهم بالخير، والصلاح، وإرشاد الناس للعمل بهذه الملّة، ولا شكّ (٤) أنَّ ملّةً هذا شأنها، وبها كانت له المكانة عند ربّه، لا يرغب عنها إلّا سفيهٌ يعرض عن التأمل في ملكوت السموات والأرض، ورؤية الآثار الكونية


(١) النسفي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.