للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حَسِبَ حيث وَقع وهو القياس؛ لأن ماضيه على فَعِل بكسر العين. وقرأ باقي السبعة {يحسِبهم} بكسرها، وهو مسموع {تَعْرِفُهُمْ} أيها المخاطب {بِسِيمَاهُمْ}؛ أي: بعلامتهم. والسيماء والسيمياء والسمة: العلامة التي يُعرف بها الشيء، واختلفوا في معناها هنا، فقيل: هي الخضوع والتواضع وآثار الخشوع في الصلاة، وقيل: هي أثر الجهد من الحاجة والفقر، وقيل: هي صفرة ألوانهم من الجوع ورثاثة ثيابهم من الضر؛ أي: تعرفهم أيها المخاطب بعلامتهم من الهيبة، ووقع في قلوب الخلق، وآثار الخشوع في الصلاة، فكل من رآهم تواضع لهم. ورُوي أنهم كانوا يقومون الليل ويحتطبون بالنهار للتعفف. {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ} أموالهم أصلًا، ولا يلحفونهم {إِلْحَافًا}؛ أي: ولا يلازمونهم ملازمة لطلب المال. والإلحاف (١) وكذا الإلحاح هو: أن يُلازِم المسؤولَ حتى يعطيهُ. من قولهم: لحفني من فضل لحافه؛ أي: أعطاني من فضل ما عنده. والمعنى: أنهم لا يسألون وإن سألوا للضرورة لم يلحفوا. وقيل: هو نفي للأمرين: السؤال والإلحاف؛ أي: لا يسألون إلحافًا، ولا غير إلحاف؛ أي: لا سؤال لهم أصلًا، فلا يقع منهم إلحاف؛ أي: كثرة التلطف وملازمة المسؤول؛ أي: أنهم سكتوا عن السؤال، ولا يضمون إلى ذلك السكوت من رثاثة الحال وإظهار الانكسار ما يقوم مقام السؤال على سبيل الإلحاف، بل يزينون أنفسهم عند الناس، ويتجملون بهذا الخلق، ويجعلون فقرهم وحاجتهم بحيث لا يطلع عليه إلا الخالق. وفي قوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} دلالة على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافًا.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الله يحب العفيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء السَّآل الملحف الذي إن أعطي كثيرًا أفرط في المدح وإن أعطي قليلًا أفرط في الذم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


(١) البيضاوي.