للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليه، للتقرب إلى الله تعالى بتلاوته، والعمل بموجبه، والاطلاع على أسراره، ولا تسمع لقولم، {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ}، والفرق (١) بين التلاوة والقراءة: أن التلاوة قراءة القرآن متابعة كالدراسة، والأوراد الموظفة، والقراءة أعم؛ لأنها جمع الحروف باللفظ لا اتباعها، قيل (٢): ويحتمل أن يكون معنى قوله: {وَاتْلُ} واتبع أمرًا، من التّلوّ لا من التلاوة.

{لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ}؛ أي: لكلمات الله سبحانه وتعالى؛ أي: لا مغير للقرآن؛ أي: لا قادر على تبديله، وتغييره غيره تعالى كقوله: {وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ} فهو عامّ مخصوصٌ فافهم، فإن قلت (٣): موجب هذا أن لّا يتطرق النسخ إليه؟.

قلت: النسخ في الحقيقة ليس بتبديل؛ لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ، فالناسخ المغاير، فكيف يكون تبديلا، وقيل: معناه لا مغير بما أوعد الله بكلماته أهل معاصيه، وقيل: معناه لا مغيّر بأوامره ونواهيه، وبوعده لأولياه، ووعيده لأعدائه.

{وَلَنْ تَجِدَ} أبد الدهر، وإن بالغت في الطلب {مِنْ دُونِهِ} تعالى {مُلْتَحَدًا}؛ أي: ملجأً وحرزًا تعدل إليه عند نزول بلية، قال الزجاج: لن تجد معدلًا عن أمره ونهيه، أي: إنك إن لم تتبع القرآن وتتله، وتعمل بأحكامه لن تجد معدلًا تعدل إليه، ومكانًا تميل إليه.

وحاصل معنى الآية: أي (٤) واتل أيها الرسول الكتاب الذي أوحي إليك، والزم العمل به، واتّبع ما فيه من أمر ونهي، وإن أحدًا لا يستطيع أن يغير ما فيه من وعيد لأهل معاصيه، ومن وعد لأهل طاعته، فإن أنت لم تتبعه، ولم تأتمّ به، فنالك وعيد الله الذي أوعد المخالفين حدوده، فلن تجد من دونه موئلًا، ولا ملجأ تلتجىء إليه؛ إذ قدرة الله محيطةٌ بك، وبجميع خلقه، لا يقدر أحدٌ على


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) الخازن.
(٤) المراغي.