في ملتكم، وتهددوننا بالنفي من أوطاننا، والإخراج من ديارنا، إن لم نفعل، ولو كنا كارهين لكل من الأمرين؟ والاستفهام فيه للإنكار.
والمعنى: لا تطمعوا في عودنا مختارين ولا مكرهين، فتأمل - ذكره الصاوي - إنّكم لقد جهلتم أنّ الدين عقيدة وأعمال، يتقرب بها إلى الله الذي شرعها لتكميل الفطرة البشرية، كما جهلتم أنّ حب الوطن لا يبلغ منزلة حب الدين لدي ولدى قومي، فظننتم فيّ وفيمن آمن معي أنّنا نؤثر التمتع بالإقامة في الوطن على مرضاة الله تعالى بالتوحيد المطهّر من أدران الخرافات، وبالفضائل المهذبة للنفوس، والمرقية لها في معارج الكمال، حتى تتم لنا سعادة الدنيا والآخرة.
فللدين منزلة في النفوس لا تسمو إليها منزلة أخرى، فإن تمكن صاحبه من إقامته في وطنه، وإصلاح أهله به .. فهم أحق به، وإن فتن في دينه فيه .. كان تركه واجبا عليه، وقد أوجب الله الهجرة على من يستضعف في وطنه، فيمنع من إقامة دينه فيه، فإن لم يفعل ذلك .. دخل تحت وعيد قوله:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيرًا ٩٧ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ} الآية.
وقال الشوكاني (١): وجملة قوله: {قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ} مستأنفة جواب عن سؤال مقدر، والهمزة لإنكار وقوع ما طلبوه من الإخراج أو العود، والواو للحال؛ أي: أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا للعود إليها، أو أتخرجوننا من قريتكم في حال كراهتنا للخروج منها، أو في حال كراهتنا للأمرين جميعا؟
والمعنى: أنّه ليس لكم أن تكرهونا على أحد الأمرين، ولا يصح لكم ذلك، فإنّ المكره لا اختيار له، ولا تعد موافقته مكرها موافقة، ولا عوده إلى ملتكم مكرها عودا، وبهذا التقدير يندفع ما استشكله كثير من المفسرين في هذا